أسطورة الجيش الأحمر تتحطم على أعتاب ماريوبول.. سرّ صمود المدينة الأوكرانية طوال 30 يومًا
ساعات قليلة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 24 من فبراير الماضي بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، حتى رأينا استماتة الجيش الأحمر للسيطرة على مدينة ماريوبول شرق البلاد، عبر معارك مستمرة وقصف متواصل حتى باتت أحد أكثر ساحات المعارك سخونة.
رغم أن البداية الروسية كانت قوية، مكنتها من الاستيلاء على أجزاء من ماريوبول، إلا أنها واجهت صموداً لم تتوقعه من الجيش الأوكراني، لتصبح عصية على الجيش الروسي حتى يومنا هذا.
سجلت تقارير ميدانية إلقاء روسيا قنابلتين خارقتين على مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية، فيما تحدثت تقارير اخرى عن سقوط ضحايا جراء ذلك القصف، وعلى الرغم من أن الجيش الاوكراني لم يسم نوعية تلك القنابل، إلا أن مؤشرات تشير إلى أنها قنابل «فراغية» أو «حرارية» ذات الموجة التفجيرية الهائلة.
تقارير عسكرية تشير إلى أن تلك النوعية من القنابل أكثر تدميرا من المتفجرات التقليدية ذات الحجم المماثل، وله تأثير رهيب على أي شخص يقع في دائرة التفجير الذي يحدثه.
المفاجاة، بعد أسبوعين من حصار المدينة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، منح أوكرانيا مهلة لمدة ساعات للرد على طلب تسليم المدينة الساحلية، إلا أن الرد جاء سريعاً من نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشتشوك، «تخلينا عن مدينة ماريوبول، وإلقاء السلاح أمر غير وارد».
قبل هذا القرار، لقى ما لا يقل عن 2000 مدني مصرعهم ودمرت حوالي 80٪ من المنازل، وفقًا لمسؤولي المدينة، ويحتمي المدنيون المحاصرون فيها داخل أقبية ولديهم القليل من الطعام والكهرباء والمياه الصالحة للشرب.
هنا، تساءل كثيرون عن سبب اهتمام الجيش الروسي بمدينة ماريوبول، وماأهميتها لروسيا من أجل هذا الإصرار، وأيضاً أهميتها لأوكرانيا من أجل هذا الصمود. أمور نرصدها لكم من خلال السطور التالية:
الموقع الجغرافي
تقع ماريوبول بين شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014، وإقليم دونباس، الذي يسيطر على جزء كبير منه جمهوريتا دونيتسك ولوجانسك الشعبية الانفصاليتان المواليتان لموسكو .
إضافة إلى أن الجيش الروسي يستطيع مد جسر بري من مناطق الانفصاليين الموالين له في الدونباس وشبه جزيرة القرم التي يسيطر عليها من خلال السيطرة على ماريوبول، والسيطرة على كامل الساحل الجنوب الشرقي لأوكرانيا.
إذا تم الاستيلاء على ماريوبول، فستنتهي روسيا أيضاً بالسيطرة الكاملة على أكثر من 80 ٪ من ساحل اوكرانيا على البحر الأسود، ما يؤدي إلى قطع تجارتها البحرية وعزلها عن العالم، كما ستتحكم روسيا والموالين لها في بحر آزوف وهو البحر المطل على البحر الأسود.
أهميتها لروسيا: أهمية اقتصادية
لطالما كانت مدينة ماريوبول ميناءً مهماً استراتيجياً على بحر آزوف، وهو جزء من البحر الأسود، كما تعد موطنًا لأكبر ميناء تجاري في «آزوف» الذي تصدر أوكرانيا منه الحبوب والحديد والصلب والآلات الثقيلة.
وفي عام 2021، كانت الوجهات الرئيسية للصادرات الأوكرانية من ميناء ماريوبول هي دول أوروبا والشرق الأوسط مثل إيطاليا ولبنان وتركيا.
وعانى الميناء بعد ضم شبه جزيرة القرم حيث قامت روسيا ببناء جسر يربط شبه الجزيرة بالبر الرئيسي لها وفرضت قيوداً من جانب واحد على السفن التي تمر عبر مضيق كيرتش، الواصل بين بحر آزوف والبحر الأسود.
تأمين ممر بري بين القرم ودونباس
تحتل ماريوبول مساحة جغرافية صغيرة جدا في خريطة أوكرانيا، لكنها تقف الآن عائقاً عنيداً في وجه القوات الروسية التي تتقدم شمالاً من شبه جزيرة القرم، وتواصل هذه القوات تقدمها باتجاه الشمال الشرقي في محاولة منها للالتحام مع حلفاء روسيا من الانفصاليين الأوكرانيين في منطقة دونباس شرق أوكرانيا.
الجنرال السير ريتشارد بارونز، القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية، يقول إن احتلال ماريوبول والسيطرة عليها أمر حيوي بالنسبة للمجهود الحربي الروسي.
يؤكد القائد البريطاني المتقاعد أنه «عندما يشعر الروس بأنهم قد انتصروا في هذه المعركة، فإنهم سيكونون قد أكملوا فتح جسر بري يصل روسيا بالقرم، وسينظرون إلى ذلك على أنه نصر استراتيجي كبير».
فرصة دعائية
ماريوبول موطنج لميليشيا أوكرانية تطلق على نفسها اسم كتيبة آزوف (تعود التسمية إلى بحر آزوف الذي يربط ماريوبول بالبحر الأسود)، وتضم هذه الكتيبة متطرفين يمينيين بينهم نازيون جدد.
رغم تشكيلهم نسبة صغيرة من القوات الأوكرانية، إلا أن وجودهم أداة دعائية مهمة لموسكو منحتها العذر في القول للروس عموماً، إن الشباب الذين أرسلتهم للقتال في أوكرانيا إنما يقاتلون لتطهير الجار الأوكراني من النازيين الجدد.
إذا تمكنت روسيا من أسر عدد كبير من عناصر كتيبة آزوف، فمن المرجح أنهم سيعرضون في وسائل الإعلام الروسية الرسمية في سياق الحرب الإعلامية المستعرة من أجل تشويه سمعة أوكرانيا وحكومتها.

دفعة معنوية
في حال سقطت مدينة ماريوبول، سيكون ذلك مهماً من الناحية المعنوية للجانبين في هذه الحرب، انتصار الجيش الروسي سيسمح للكرملين بالإثبات للشعب الروسي من خلال الإعلام الرسمي، بأن روسيا تحقق أهدافها وتحرز تقدماً في ميادين القتال.
أما الرئيس بوتين، فهناك أهمية تاريخية لهذا الإنجاز. فهو يرى أن الساحل الأوكراني على البحر الأسود يعود لكيان يدعى نوفوروسيا (أي روسيا الجديدة)، وهي أراض روسية يعود تاريخها الى الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر.
لذا يرغب بوتين في إحياء فكرة «إنقاذ الروس من طغيان حكومة موالية للغرب في كييف» كما يراها، وتقف ماريوبول حالياً عائقاً في طريق تحقيق هذا الهدف.
بالمقابل، تمثل خسارة ماريوبول ضربة كبيرة بالنسبة للأوكرانيين، ليس عسكرياً واقتصادياً فقط، لكن أيضاً بالنسبة للرجال والنسوة في أوكرانيا الذين يدافعون عن أرضهم، ستكون المدينة أولى المدن الأوكرانية المهمة التي تسقط بأيدي الروس بعد خيرسون، الأقل أهمية.
هناك عامل معنوي آخر، وهو عامل يتعلق بالردع
فقد دافعت ماريوبول عن نفسها دفاعاً شرساً، لكن لننظر إلى ثمن ذلك، ماريوبول ستدخل التاريخ إلى جانب جروزني وحلب، وكلها مدن أجبرها القصف الروسي على الخضوع بعد أن أحالها إلى ركام.
أهمية المدينة لأوكرانيا
أصبحت مدينة ماريوبول رمزاً للمقاومة الأوكرانية، بجانب أهميتها الجيوسياسية والاقتصادية، وإذا تمكن الجيش الأوكراني من التمسك بها، سيكون دافعا معنويا كبيرا لحث الأوكرانيين على التمسك بباقي المدن المعرضة لنيران مدافع الجيش الأحمر .
لكن، إذا خسرت أوكرانيا المعركة فمن المرجح أن تضيف خسارة ماريوبول المزيد من البؤس والدمار للأوكرانيين، خصوصاً أن المدينة أصبحت موطنًا للعديد من الأوكرانيين النازحين داخلياً الذين فروا من القتال في دونيتسك ولوجانسك في عام 2014.