آبي أحمد يجر إثيوبيا نحو الحرب الأهلية والاقتصاد إلى الانهيار

آبي أحمد
آبي أحمد



في تطور دراماتيكي سقط العديد من المدن والبلدات الإثيوبية المهمة أمام تقدم قوات جبهة تيجراي والقوات المتحالفة معها وهي في تحركها صوب العاصمة أديس أبابا، وسط تراجع للجيش الحكومي بوتيرة سريعة وتركه للمدن التي كان يسيطر عليها.

تطور المواجهات

التمدد المتواصل لجبهة تحرير تيجراي التي ظلت صامدة في القتال على مدار عام ضد قوات آبي أحمد رئيس الوزراء دفع بالبرلمان الإثيوبي بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 6 أشهر ، مع تأكيد الحكومة على مواصلة القتال ورفضها للدعوات الدولية لوقف إطلاق النار.

وكان الانهيار الكبير الذى حدث للجيش الإثيوبي، بداية فى دخول الصراع مرحلة خطيرة، حينما وجه آبي أحمد نداء إلى العرقيات الإثيوبية الأخرى بحمل السلاح ضد تيجراي، وكأنه أصدر أمرا ببدء الحرب الأهلية، وكرر آبي أحمد نفس النداء في الثاني من نوفمبر الجاري، حينما طالب سكان أديس أبابا بحمل السلاح استعدادا لمواجهة جبهة تيجراي التي وصلت إلى بلدة كومبولشا بإقليم أمهرة.

 

الأوضاع في إثيوبيا

 

تحذيرات دولية

وفي خضم تطور الأحداث وسط مخاوف من حرب شاملة تلقي بتبعات كارثية على المستويين المحلي والإقليمي، أعلنت السفارة الأمريكية في أديس أبابا على موقعها الإلكتروني، أنها سمحت بالمغادرة الطوعية لموظفيها غير الأساسيين وأفراد الأسر بسبب الصراع المسلح في إثيوبيا. وأضافت أن السفر إلى إثيوبيا غير آمن ومن المرجح أن يستمر التصعيد.

وعلى نفس المنوال حثت بريطانيا مواطنيها على تقييم ضرورة بقائهم في إثيوبيا، فيما دعا رئيس كينيا إلى وقف فوري لإطلاق النار وكذلك دعا رئيس أوغندا لاجتماع قادة دول شرق أفريقيا لبحث الصراع الإثيوبي.

ولتجنب حمام الدم بمنابع نهر النيل تتزايد الدعوات الدولية للتهدئة، فقد دعا المجلس الأوروبي الأطراف الإثيوبية إلى وقف فوري لإطلاق النار والذهاب لمفاوضات غير مشروطة.

وحذر الاتحاد الأوروبي من احتمالية اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا، وذلك في ظل حشد الحكومة المركزية لبدء عمليات عسكرية جديدة ضد جبهة تحرير تيجراي، داعيا كل الأطراف إلى التهدئة والعمل على إحلال السلام في البلاد.

وجاءت تلك الدعوات بعد تأكيد المتحدث باسم جيش تحرير أورومو المتحالف مع جبهة تحرير تيجراي، قدرة القوات على السيطرة على العاصمة الإثيوبية في غضون أشهر إن لم يكن أسابيع.

 

الأوضاع في إثيوبيا

 

سيناريوهات مرعبة

وأكد المتحدث باسم جيش تحرير أورومو أن إحراز قوات الحركة مكاسب ميدانية في منطقتي أمهرة وأوروميا التي تحيط بالعاصمة أديس أبابا يبرهن على أن الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد بات أمرا محتوما بعد السيطرة على مدينة كومبولتشا الواقعة بإقليم أمهرة وأيضا السيطرة على مدينة ديسي الاستراتيجية في الإقليم ذاته.

وتأتي أهمية مدينة ديسي الواقعة في وسط إثيوبيا على تقاطع الطرق الرئيسية الرابطة بين العاصمة أديس أبابا وبقية المدن والأقاليم كافة مناطق البلاد في مايشبه الكماشة، مما يعقد حسابات الجيش الفيدرالي الإثيوبي.

وبسقوط مدينة ديسي فقد الجيش الإثيوبي أهم نقطة لانسياب الإمدادات خصوصا إلى إقليم التيجراي الذي أشعل شرارة الحرب الحالية التي تعتبر الأحدث في سلسلة صراعات عرقية وسياسية عاشتها البلاد لسنوات طويلة.

ومع احتدام القتال يتوقع خبراء استمرار تقدم قوات تيجراي صوب العاصمة والالتحام مع قوات جيش تحرير أورومو المتحالفة معها التي سيطرت على مدينة كميسي على الطريق السريع المؤدي لأديس أبابا.

ومن المتوقع أن تواصل قوات تيجراي تقدمها وتتجه نحو بلدة باتي ومنها إلى مدينة مللي الواقعة على الطريق الرئيسي بين جيبوتي وأديس أبابا، وما يمكن أن يمكن الجبهة من خنق العاصمة وحرمانها من الإمدادات الضرورية، بما يؤدي إلى شل حركة البلاد وإغراقها في حالة من الفوضى الشاملة والحرب الدموية.

فريق آخر يرى أن الحرب يمكن أن تتطور وينجم عنها تفكك إثيوبيا وانتقال شرارتها إلى دول القرن القرن الإفريقي بما يؤثر على استقرار وأمن المنطقة.

 

الأوضاع في إثيوبيا

 

عقوبات أمريكية

ودفعت سياسات آبي أحمد وحرب الإبادة التي يشنها ضد إقليم تيجراي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بممارسة المزيد من الضغوط عليه والتي كان آخرها، إعلان بايدن عن اعتزامه بإلغاء تصنيف إثيوبيا كدولة مستفيدة من قانون النمو والفرص في إفريقيا "أجوا" الذي يتيح الوصول إلى الأسواق الأمريكية دون رسوم إضافية، وذلك بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في أديس أبابا.

وندد الرئيس الأمريكي بانتهاكات حقوق الإنسان في إثيوبيا، موضحًا أنَّ قرار حرمان أديس أبابا من الاستفادة من قانون "أجوا" سيسري اعتبارًا من بداية يناير عام 2022.

ويعد هذا القرار ضربة كبيرة للبلد الإفريقى حيث إن نصف صادرات إثيوبيا تتجه للولايات المتحدة، إلى جانب أثره المباشر على العمالة المحلية حيث تتركز معظم صادرات "أجوا" في صناعة النسيج وهى صناعة كثيفة العمالة في إثيوبيا.

وقانون "أجوا" هو قانون التجارة والتنمية لعام 2000 وهو تشريع وافق عليه الكونجرس الأمريكي في مايو 2000 بغرض التشريع لمساعدة اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء وتحسين العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والمنطقة.

وبسبب الصراع في تيجراي، حذر مجلس العلاقات الخارجية "كير" من تفاقم الخسائر البشرية والمادية للصراع في إثيوبيا، مضيفًا أن البلاد تتجه نحو الانهيار.

وأكد المجلس أن الصراع في تيجراي اتسع بشكل كبير بدرجة كبيرة وسيؤدي بحسب المراقبين إلى تمزيق الدولة الإثيوبية، خاصة بعد دعوة الحكومة وحلفائها في أمهرة المواطنين على حمل السلاح والمشاركة في الحرب ضد قوات تيجراي، مما يؤجج حالة العنف والصراعات في البلاد.

 

الأوضاع في إثيوبيا

 

خسائر الحرب

وبحسب تقارير الأمم المتحدة أدى استمرار خنق قوات الحكومة الإثيوبية منطقة تيجراي وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان إلى معاناة مئات الآلاف من المجاعة وتعرض ملايين الأشخاص في الإقليم لخطر كبير، حيث تعاني أكثر من 60 في المائة من النساء الحوامل والمرضعات من سوء التغذية إلى جانب ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة.

حالة الحرب والانهاك التي تعيشها إثيوبيا ألقت بظلالها على المستوى الاقتصادي، حيث إن مستقبل الدولة أصبح غير مؤكد لدرجة أن صندوق النقد الدولي رفض نشر توقعات نمو البلاد في أحدث تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.

فعلى الرغم من تزايد المناشدات الدولية لوقف الصراع، لا يزال الوضع في البلاد خطير بما يهدد بتفكك البلاد وانقسامها وتآكل مصداقية الحكومة بالكامل.

وكالة "بلومبيرج" الأمريكية حذرت هي الأخرى في تقرير لها من تباطؤ التقدم السياسي والاقتصادي في إثيوبيا البالغ عدد سكانها 118 مليون نسمة وأن هذا البلد قد يواجه الانهيار لوقوعه في مشاكل خطيرة للغاية خلال العامين الماضيين، وأشارت والكالة الامريكية إلى أن الحرب كبدتها تكلفة اقتصادية ضخمة، قد تستغرق سنوات لإصلاحها.

 

الأوضاع في إثيوبيا

 

نزيف الاقتصاد

ومع تصاعد الأزمة واحتدام الصراع في العاصمة، شهدت البنوك في البلاد تزاحما كبيرا من جانب السكان لسحب أموالهم تحسباً لإغلاق البنوك أو الدوائر الحكومية، كما قاموا بتخزين كميات من المواد الغذائية.

وبحسب الأمم المتحدة فقد استزف الصراع في إثيوبيا ما يزيد على مليار دولار من خزينة البلاد بجانب ارتفاع الانفاق على شراء السلاح بدرجة كبيرة.

وأدى تدهور الحالة الاقتصادية إلى تراجع سعر العملة المحلية "البير" أمام الدولار بدرجة أكثر في السوق غير الرسمية ووصلت لنحو 70 بيرا مقابل الدولار.

ومن المتوقع أن يتباطئ النمو الاقتصادي الإجمالي لإثيوبيا لهذا العام إلى أقل من اثنين في المئة عام 2021، وهو أدنى مستوى منذ ما يقرب من عقدين، وفقا لصندوق النقد الدولي.

كان الاقتصاد الإثيوبي قبل جائحة فيروس كورونا والحرب، واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة، إذ سجل نموا بمعدل 10 في المئة سنويا في العقد حتى عام 2019، وفقا للبنك الدولي.

كما أثرت الحرب على سمعة إثيوبيا كمكان للاستثمار حيث تراجع بشكل كبير بعد أن كانت تصنف أحد أبرز الأسواق الجاذبة للاستثمار في عام 2018.

 

الأوضاع في إثيوبيا

 

تراجع التصنيف

وفي مؤشر على أن البلاد في طريقها نحو الانهيار الاقتصادي بسبب التداعيات الكارثية لتوسيع دائرة النزاع والمواجهات خفضت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني السيادي لإثيوبيا في أكتوبر الماضي للمرة الثانية منذ مايو الماضي، وذلك بسبب التأخير في إعادة هيكلة الديون، والحرب الأهلية المستمرة، حيث تقرر خفض التصنيف بمستوى واحد إلى Caa2.

كما خفضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية «فيتش» تصنيف إثيوبيا من B إلى CCC بسبب تعثرها عن سداد ديونها الخارجية، وغياب أي مؤشرات تدل على وجود آليات لمواجهة هذا التعثر، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تضطر إثيوبيا إلى دفع 5 مليارات دولار أمريكي على ديونها الخارجية المستحقة التي تبلغ حوالي 30 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2022 مقابل ضخ 3 مليارات دولار أمريكي من الاحتياطيات الأجنبية في القطاع المصرفي، خاصة في البنك المركزي الإثيوبي.

وللتغلب على هذه المعضلة، طلبت إثيوبيا من صندوق النقد الدولى في سبتمبر الماضي ترتيب تسهيلات ائتمانية مطولة جديدة حول كيفية التعامل مع ديونها الخارجية التى تبلغ قرابة ٣٠ مليار دولار.

ولكن دفعت الأوضاع المضطربة بصندوق النقد بالإعلان عن عدم مناقشة برنامج تمويل محتمل لأديس أبابا بسبب تردي الوضع الأمني مع استمرار مراقبة تطورات الأوضاع عن كثب هناك.

وبسبب الحرب، كشفت وكالة بلومبرج الأمريكية في تقرير لها في يوليو الماضي عن تحميل الخزينة الإثيوبية ديونا تقدر بـ٢.٥ مليار دولار منذ بدء الحرب، بسبب التضارب في القرارات الاقتصادية والانخراط في حروب أهلية كبدت البلاد ديونًا طائلة.

 

وكالة موديز

 

تفاقم الدين الخارجي

وفي ظل هذه المشكلات وارتفاع المصروفات ونفقات الحرب أعرب العديد من المراقبين الاقتصاديين عن قلقهم بشأن تفاقم الدين الخارجي لأثيوبيا، إذ يتوقع البعض أن يصل إلى 60 مليار دولار، أو ما يقرب من 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

ومن المتوقع أن يتزايد الدين الخارجي في المستقبل نظرا لدفع البلاد فاتورة استيراد سنويا تقدر بنحو 14 مليار دولار، بينما تصل قيمة الصادرات نحو 3.4 مليار دولار فقط.

ونتيجة للأزمة الاقتصادية زاد معدل التضخم بنسب كبيرة تجاوزت معها أكثر من 30%، مع اتجاه منحنى الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر نحو الانخفاض، فضلا تضاؤل الاحتياطيات الأجنبية بالبنك المركزي الإثيوبي.

وبحسب معهد الدراسات الأمنية ومقره بريتوريا بجنوب إفريقيا فقد أدى تعطل حركة التجارة وقطع الطرق بين جيبوتي وأديس أبابا إلى تعطل 95% من تجارة إثيوبيا البحرية، وهدد ذلك بتدمير البنية التحتية وشرايين التجارة الرئيسية لإثيوبيا الدولة الحبيسة التي تعتمد على ميناء جيبوتي في 95 ٪ من تجارتها البحرية.

وأدى ذلك أيضا إلى إحداث خلل في منظومة الصادرات والواردات الإثيوبية غير الساحلية، مما انعكس سلبيا على توفير احتياجات المواطنين الضرورية وتأثر كافة القطاعات بالبلاد.

قطاع السياحة لم يكن بعيدا من الأزمة حيث تراجعت إيراداته بسبب توقفه شبه التام لحالة الفوضى التي تعيشها إثيوبيا.

كما أدت سياسات آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي إلى أزمات كبيرة في قطاع الزراعة، مما نجم عنه أزمات كبيرة في توفير المواد الغذائية وتأثر 30 مليون نسمة بهذه الأزمات وفقًا لمفوضية التخطيط الإثيوبية.

ويرى مراقبون أن خطأ آبي أحمد الفادح هو فشله في فهم طبيعة الانقسامات الإثنية العميقة الضاربة بجذورها في المجتمع الإثيوبي منذ عشرات السنين، ويبدو أن السلام والأمن والاستقرار أصبحوا أمور بعيدة المنال في أثيوبيا مع فقدان الآلاف لأرواحهم في صدامات قبلية وإثنية مسلحة ونزوح الملايين من مناطقهم.

وأدى فشل آبي أحمد في فهم طبيعة المجتمع الإثيوبي إلى الإسراع من تحوله من رجل نوبل السلام إلى رجل حرب يقتل شعبه ويجوع ويحاصر عرقية تيجراي ناهيك عن النزيف الذى يعانى منه اقتصاد بلاده المترنح الذي كان يصنف أحد أسرع الاقتصادات الناشئة نموا في العالم.

 







أضف تعليقك