حاكم برتبة مثقف| الشيخ سلطان القاسمي و50 عامًا من العطاء ومحبة مصر

حاكم الشارقة سلطان القاسمي
حاكم الشارقة سلطان القاسمي



هو بالفعل ليس مجرد حاكم وسياسي فقط، هو مثقف وشاعر ومسرحي وكاتب ومفكر، قبل أن يكون سياسيًا وحاكمًا، قل إنه المزارع الذي تخرج في كلية الزراعة، فأدرك قيمة الغرس بالمعنى المباشر أو المجازي، إنه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

يتم اليوم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي 50 عامًا في تولي مقاليد الحكم في الشارقة، لنتوقف أمام مسيرة رجل ومدينة ودولة.

وحسبما يكشف الواقع، فالمؤكد أن الشارقة في خمسة عقود، وفي أمانة رجل يصحو مع صوت الأذان في فجر إمارة الإشراق والأنوار، نالت الأوسمة الثلاثة المستحقة لها والمستحقة لأهلها، صاحب السموّ الثقافي الذي قاد إمارته وإمارة أهله إلى نياشين العزّ: عاصمة الثقافة العربية، عاصمة الثقافة الإسلامية، عاصمة الكتّاب العالمية، والشارقة عاصمة المسرح على يدي صانع المسرح في الإمارات. شيخ الكتابة، ورجل البحث والتوثيق والتاريخ والتحقيق.

ثقافيًا، أثرى القاسمي المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات المهمة التي تحمل قيمًا إبداعية ومعرفية وتاريخية، وتكشف عن جهود جبارة ومتواصلة في البحث عن الحقيقة وسبر أعمال التاريخ، واستلهام العبر والدروس، وفتح كوة في جدار الواقع ليدخل منها ضوء الأمل، وإعادة الاعتبار إلى الثقافة والحضارة العربيتين، وتتنوع مؤلفاته بين المسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والبحث والأدب، مسكوبة برؤى فكرية وخيال خصب ومعان ساطعة بأسلوب عميق وخلاق يفرد جناحيها في فضاء الكلمة معانقًا شمس الإبداع وقافزًا فوق ريح الزمن بأصالة ورقي.

ففي كلّ مؤلف نهر جار من الحكمة لاينضب، وصوت قادم من عميق الروح يتردد صداه بين سطر وسطر، وبين كلمة وكلمة، وسراج من النبل والحق يضيء عتمة الواقع ويزيل الغموض عن الآتي، ويقدم المعلومة بكل يسر واقتدار وجزالة ليفيد القراء والباحثين والمهتمين في كل أنحاء الوطن العربي، ينهل من بحور التاريخ ويغوص في أعماقه ليخلص إلى عبرة تبعث على التفاؤل والأمل، وليكشف لمحات مضيئة عن سيرة مدن وناس وحقب وذاكرة مترعة بالحنين والألم والنضال.

 ولأن القاسمي مهموم بالثقافة إلى أبعد الحدود، باعتبارها الأكثر فعالية من أي شيء آخر، وضع على عاتقه مسؤولية إعلاء الثقافة العربية وخدمة اللغة ودعم مسيرة التعليم ورعاية الإبداع واستكمل مشروعه الثقافي والحضاري بكتاباته ومؤلفاته في ظل انشغالاته ومهامه كحاكم ومسؤول، وتخصيص وقت للكتابة والتأليف والقراءة والبحث، فقلما نجد صاحب قرار أو لا يكاد يوجد مسؤول يهتم بالثقافة كما يهتم شأنها شأن الاقتصاد والعمران والتجارة وأكثر.

وعندما نطلع على منجز الشيخ القاسمي الثقافي ونتصفح عناوين الكتب ومضامينها سنجد اهتمامًا كبيرًا بتاريخ منطقة الخليج العربي وتسليط الضوء على الاستعمار البريطاني وكيفية مقاومة الاحتلال والتصدي لمخططاته، منها: «أسطورة القرصنة في الخليج»، «صراعات القوة والتجارة في الخليج»، «الاحتلال البريطاني لعدن»، «جون مالكوم والقاعدة التجارية البريطانية في الخليج 1800م»، «بيان الكويت: سيرة حياة الشيخ مبارك الصباح»، «رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي 1837م»، «صراعات القوة والتجارة في الخليج ( 1620 – 1820)»، «القواسم والعدوان البريطاني (1797 – 1820)»، كما له مجموعة من الكتب التي تهتم بتاريخ عمان منها: «»تقسيم الامبراطورية العمانية (1856 – 1862)»، «العلاقات العمانية الفرنسية ( 1715 – 1905 )»، «الوثائق العربية العمانية في مراكز الأرشيف الفرنسية»، وسنجد أيضًا اهتماما بالخرائط والمخطوطات والوثائق، والذي نتج عنه كتاب «الخليج في الخرائط التاريخية بين عامي ( 1493 – 1931 )»، «نشأة الحركة الكشفية في الشارقة»، «محطة الشارقة الجوية بين الشرق والغرب»، «التذكرة بالأرحام».

وفي خضم انكباب القاسمي على كتابة التاريخ وتوثيق الأحداث، لم ينس عشقه للمسرح الذي خصه بمسرحيات تحفل بالمواقف والعبر والإسقاطات التاريخية هي: «عودة هولاكو، القضية، الواقع صورة طبق الأصل، الاسكندر الأكبر، النمرود، شمشون الجبار، الحجر الأسود، طورغوت، علياء وعصام، وداعش والغبراء».

كما صدر له رواية «الشيخ الأبيض»، و《الأمير الثائر» إضافة إلى «الحقد الدفين»، ثم أصدر بعض الكتب التي تتناول سيرته الذاتية وتوثق الأحداث والتحديات التي واجهت نشوء دولة الإمارات منها: سرد الذات، حديث الذاكرة، سيرة مدينة.

وقد تمت ترجمة كتاب «سيرة مدينة» إلى اللغة الانجليزية وصدر عن دار بلومزبيري للنشر في لندن، حرصًا منه في ترجمة كتبه وتقديمها للقارئ في بريطانيا ليتعرف إلى تاريخ المنطقة وخريطتها الجيوسياسية ومخططات الاستعمار والتشكل السياسي والاقتصادي لها.

القاسمي.. واحد مننا

مصر عند حاكم الشارقة ليست مجرد دولة عربية شقيقة، إنما هي فعلًا وطنه الثاني الذي يعتز بأنه تخرج في أعرق جامعاتها، القاهرة، وسبق أن أكد أن الجامعة أمدته بالفكر الأكاديمي الصحيح، وأسهمت في تكوين أحد جوانب شخصيته، وقد نهل من معارف أساتذته فيها.

لمصر مكانة بارزة يكن لها كل التقدير والاحترام، ففي لقاء سابق مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فبراير 2019، شدد على أن «جامعة القاهرة علمته الزراعة، ومصر علمته الثقافة، وإن فضل مصر عليه كبير بل على العالم العربي بأكمله».

وقال القاسمي حينها: اعتبروني واحدًا منكم؛ لأنني أنتمي لهذه الجامعة التي أسستني بالفكر الأكاديمي الصحيح، فمصر هي التي أمدتني بالثقافة التي كان لها الأثر الكبير بحياتي، والتي انعكست بدورها على بلدي».

ويحكي القاسمي أنه عند قدومه إلى مصر وهو طالب كان معدله مرتفعًا في الثانوية العامة يؤهله لدخول كلية الطب أو الهندسة، لكنه فضّل كلية الزراعة، وقال: «إن مصر منحتني مقعدًا دراسيًا كان لطالب مصري، ولذا كان من الواجب أن أكون بارًا بهذه الجامعة التي أعطتني كل شيء».

اليوم نتذكر، 25 يناير 1972 قال الشيخ القاسمي عند اختياره حاكماً لإمارة الشارقة: «أعينوني لكي أكون ابناً بارّاً لكبيركم، وأخاً وفياً لأوسطكم، وأباً حنوناً لأصغركم».

السيسي والقاسمي







أضف تعليقك