17 عاماً على استشهاده.. ياسر عرفات "الأب الروحي" لنضال الفلسطينيين
سبعة عشر عاماً على رحيل ياسر عرفات "أبو عمار"، الرئيس الفلسطيني، رمز المقاومة وأيقونة النضال، الذي مثَّل لمعاصريه ومن خالطوه كنزاً لا ينتهي، ومعيناً لا ينضب من النضال والوطنية.
استشهد ياسر عرفات، أبو عمار، في 11 نوفمبر 2004 عن عمر ناهز 75 عامًا، في مستشفى "كلامار" العسكري بالعاصمة الفرنسية باريس. ورغم مرور سنوات طويلة على استشهاده؛ فإنه لا يزال حاضراً في تفاصيل المشهد الفلسطيني، لأنه "الأب الروحي" للقضية.

ويُعد الاحتلال الإسرائيلي، المتهم الأول في قتل أبو عمار، بواسطة "السُّم"، وشكلت القيادة لجنة تحقيق رسمية في ملابسات وفاته؛ لكنها لم تعلن حتى الآن نتائج واضحة رغم تصريحات رئيسها توفيق الطيراوي، في أكثر من مناسبة، أن "بيانات وقرائن تشير إلى أن الاحتلال يقف خلف اغتياله".
وفي 25 نوفمبر 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة، ورغم وجود غاز "الرادون" المشع في العينات؛ فإن الخبراء استبعدوا فرضية الاغتيال.
رحلته في مصر
انتقل ياسر عرفات مع والده إلى مصر، الذي كان يعمل في تجارة المواد الغذائية، وكان يوزع الأجبان على كل الدول العربية، وشارك في المظاهرات المعادية للاستعمار الإنجليزي في مصر، وحضر الكثير من الندوات السياسية.
انضم أبو عمار في شبابه إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، من خلال الانضمام إلى اتحاد طلاب فلسطين عام 1944، الذي ترأسه بين عامَي 1953 و1968.
وفي عام 1956، كان عرفات ضابطاً احتياطياً، أُرسل إلى بورسعيد؛ ليشارك في إطار سلاح المهندسين، في عمليات نزع الألغام.
وعمل ياسر عرفات، بعد تخرجه في جامعة القاهرة، مدة سنتين في المحلة الكبرى. وبعد ذلك، سافر إلى الكويت للعمل فيها، في أوائل عام 1957، وكان مهندساً، يتمتع بكثير من التقدير والاحترام في وزارة الأشغال العامة في الكويت.
مسيرته السياسية
بدأت مسيرة أبو عمار السياسية بانتخابه عام 1952، رئيساً لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في القاهرة، ثم تأسيسه مع عدد من رفاقه حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في أكتوبر 1959، ليعلن رسمياً عن انطلاق الحركة، مطلع يناير 1965، غداة تنفيذ أول عملياتها المسلحة، حين فجَّر عناصرها نفقاً داخل إسرائيل.

وحضر ياسر عرفات المؤتمر الفلسطيني الأول، في مدينة القدس، عام 1964، هو وبعض رفاقه من "فتح"، كذلك. وزار عرفات بكين مرتَين قبل أن يصبح رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية: الأولى عام 1964، والثانية عام 1966، وأسفرت عن وعود بالمعونة، تجسدت بعد حرب يونيو 1967 إذ تلقّى العديد من الجماعات الفدائية التدريب العسكري منذ عام 1968، في معسكرات الصين.
كان عرفات يشارك مَن حوله في صنع القرار واتخاذه، وهو رجل عسكري وسياسي واجتماعي، عنيد في بعض المواقف، ومقاتل شرس في مواقف أخرى، ويتمتع بإرادة حديدية تنقذه من أية أزمة مهما اشتدت؛ وبدأ في مواصلة المسيرة خلافاً لظن خصومه بأنهم تمكنوا من السيطرة عليه، ودفعه إلى خارج مسرح الأحداث، والدليل على ذلك ثباته على الرغم من خروجه من الأردن ولبنان.
علاقاته العربية والعالمية
استطاع عرفات أن يبني علاقات سياسية بالدول العربية والعالمية، وكذلك علاقات اقتصادية، ووقع اتفاقيات اقتصادية خصوصاً مع الدول الاشتراكية -والمعروف دولياً أن اتفاقيات التعاون لا توقَّع إلا بين الدول- ولذا، كانت المنظمة هي أول حركة تحرير وطني في التاريخ، توقعها، فقد أبرمت اتفاقية اقتصادية مع ألمانيا الديمقراطية، وأثناء التوقيع قال وزير التجارة الألماني: "إننا نعرف مع من نوقِّع هذه الاتفاقية ولماذا؟ نحن نوقِّع اتفاقية مع منظمة التحرير، وهي حركة تحرير وطني، ولكننا نوقِّعها، لكي ننقل اعترافنا بكم، من الاعتراف السياسي إلى الاعتراف بحق تقرير المصير على الأرض الفلسطينية نفسها".

حرب 1973
أما حرب 6 أكتوبر 1973، فقد كانت خيراً لمصر والأمة العربية، والقضية الفلسطينية؛ إذ شرعت أمام عرفات أبواباً جديدة سوى باب الحرب؛ منها باب السلام، واعتراف الدول العربية عام 1974، بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، واعتراف الأمم المتحدة بها في 22 نوفمبر 1974، عضواً مراقباً فيها.
وأُعيد انتخاب عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، غير مرة، وحصل على عدة أوسمة وجوائز للسلام؛ ففي عام 1979 حصل على وسام جوليت نوري الذهبي، من مجلس السلم العالمي. وحصل عام 1981، على الدكتوراه الفخرية من الجامعة الإسلامية في حيدر آباد في الهند، ومن جامعة جوبا في السودان.

وتكلَّل نضال عرفات من أجل فلسطين، بعملية السلام، وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية على أراضيها، ومرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية؛ فهو القائل: "عندما نبحث عن السلام وننادي به، فليس هذا جديداً علينا كثورة فلسطينية وكشعب؛ فنحن لا نقاتل من أجل القتال، ولسنا مرتزقة، ولا باحثين عن الحروب، ولكننا حملنا السلاح لمواجهة الظلم والاضطهاد والاحتلال، الذي واجه شعبنا، والاعتداء الذي حدث على أرضنا ومقدساتنا، والعالم كله يعلم ذلك، وكان معظمهم شهوداً على المأساة الفلسطينية".
الانتفاضة الثانية
مع اندلاع انتفاضة الأقصى "الانتفاضة الثانية"، في سبتمبر 2000، اتهم الاحتلال عرفات بالتحريض على أعمال العنف، وفي 29 مارس 2002 حاصرت القوات الإسرائيلية عرفات داخل مقره بالمقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية، ثم دمرت الدبابات أجزاء من مقر القيادة الفلسطينية، ومنعته من السفر لحضور القمة العربية في بيروت عام 2002، ومن المشاركة في أعياد الميلاد بمدينة بيت لحم.

وتحت الحصار، تدهورت الحالة الصحية لعرفات، أواخر أكتوبر 2004، وتم نقله بطائرة مروحية إلى الأردن، ثم أقلته أخرى إلى مستشفى في فرنسا يوم 29 من الشهر نفسه، بعد تدخل الرئيس الفرنسي حينها، جاك شيراك.
وفاته
في 11 نوفمبر 2004، أعلنت السلطة الفلسطينية، وفاة عرفات، ودُفن الزعيم الفلسطيني في مبنى المقاطعة برام الله، بعد أن رفض الاحتلال الإسرائيلي أن يُدفن في مسقط رأسه بالقدس كما كانت رغبته قبل وفاته.