وباء وحرب.. كيف أثرت الأحداث العالمية على السلع الغذائية المصرية الأساسية؟ (بيانات)

قمح
قمح



يُعد الأمن الغذائي أحد التحديات الكبرى التي تواجه العالم ومصر؛ خصوصًا بعد المرور بفترة وباء إثر فيروس غاشم لا يزال يفاجئنا بمتحوراته، ثم تَلَته حرب روسيا وأوكرانيا التي تمثلت أبرز تداعيتها في الأمن الغذائي؛ إذ تعد روسيا وأوكراينا مصدرَين رئيسيَّين لاستيراد مصر الحبوب (القمح والذرة أبرزها).

وينشر "المدار" تقريراً مدفوعا بالبيانات يتتبع تداعيات تأثير وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على السلع الغذائية الرئيسية التي تستوردها مصر.

ويعد القمح والذرة والفول والأرز أربع سلع غذائية رئيسية الأعلى استيراداً من الخارج في عام 2019، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

في 2020، عام بداية وباء كورونا، انخفض متوسط معدل النمو السنوي للواردات 23%؛ وهو أكبر انخفاض شهدته الدولة منذ عام 1996، والبترول ومشتقاته والحبوب هي السلع الرئيسية الأكثر استيراداً من الخارج، وفي 2020 انخفض أيضًا معدل النمو للحبوب، والتي تشمل القمح والذرة والأرز والدقيق 12%؛ وهو أقل انخفاض في آخر خمس سنوات، ولكنه لا يعتبر الأقل انخفاضاً خلال آخر عشر سنوات، وفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة الكومتريد للتجارة الدولية.

 

يمكن أن يكون هذا الانخفاض في صالح الدولة، إذا زاد معدل الإنتاج المحلي؛ ولكن خلال آخر عشر سنوات فإن حجم الإنتاج المحلي لا يتغير إلا طفيفاً، إذ إن متوسط حجم الإنتاج 8 ملايين طن لكل من القمح والذرة، ونستورد كمية مماثلة لكليهما، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في ظل زيادة سكانية 2 مليون نسمة من عام 2019 إلى 2020.

الأرز وأزمة المياه

بدأت الدولة منذ 2017 في إصدار القرارات لتقليص مساحات الأرز؛ بسبب أزمات المياه في ظل أزمة سد النهضة، عبر حظر زراعة الأرز في محافظات محددة؛ على رأسها الوجه القبلي.

ومع انخفاض المساحة المزروعة وزيادة الاستهلاك، ارتفعت كمية الأرز المستوردة من الخارج؛ حيث زادت نسبة الكمية المستوردة 25% في كل من عامَي 2018 و2019؛ وفقاً للكومتريد.

ويشير مكتب الشؤون الزراعية الأمريكية، في تقرير عن الاستهلاك المصري من الحبوب الصادر عام 2020، إلى أنه بسبب وباء فيروس كورونا الجديد لن يقوم التجار بشراء أي نوع من الأرز من الصين هذا عام 2020- 2021، لمدة عام على الأقل.

في 2020، انخفضت الواردات بشكل عام إلى 60 مليار دولار، مقابل 78.6 مليار دولار في 2019، كما انخفضت الواردات من الصين من 12 مليون دولار في عام 2019 إلى 8 ملايين دولار في 2020، وانخفض حجم الواردات من الأرز من 161 ألف طن من الأرز عام 2019 إلى 9 آلاف طن في 2020، وانخفض الاستيراد من البذور الزيتية والفواكه الزيتية 30% وفقاً لمنظمة الكومتريد.

في آخر 2020، صرحت الحكومة المصرية بأننا حققنا اكتفاءً ذاتياً من الأرز، وأنتجنا 6.5 مليون فدان؛ فهل حققنا ذلك؟

 تعتمد مصر على دولتَين رئيسيتَين لاستيراد الأرز خلال السنوات الخمس السابقة، هما الهند التي احتلت المرتبة الأولى في أغلب السنوات، والصين التي تراوحت بين المرتبتَين الثانية والثالثة.

قبل الوباء بعام، احتلت 2019 المرتبة الأولى في الكمية المستوردة من الأرز خلال السنوات الخمس السابقة، كما احتلت الصين الدولة الأولى التي استوردنا منها بكمية 161 ألف طن بمتوسط معدل زيادة 361% وهي الزيادة الأعلى منذ عام 2012، متفوقةً بذلك على الهند في جميع السنوات الخمس التي حللنا فيها البيانات، وفقاً لمنظمة الكومتريد.

ورغم أنه توجد زيادة في حجم إنتاج الأرز من 4.8 مليون طن عام 2019، إلى 6.5 مليون طن في 2020، إلا أننا في عام 2007/2008 كنا ننتج 7.3 مليون طن في حين أن عدد السكان وقتها كان 79 مليون نسمة، وفقاً لجهاز التعبئة والإحصاء.

وقالت الدكتورة هدي الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، ، خلال حديثها إلى "المدار"، إن الوباء أثَّر سلباً عن احتياجات مصر من الحبوب الغذائية، خصوصاً أن أعلى نسبة كورونا كانت في أوروبا؛ مما أثر على حجم الإنتاج بهذه الدول ومن ثم قدرتها على التصدير.

ويوافق الملاح في الرأي الدكتور مصطفى الدمرداش، الخبير الاقتصادي، مؤكداً لـ"المدار" أن الصين تؤمِّن ثُلث احتياج العالم من مكونات الصناعة، وبسبب إغلاق المصانع  جراء الوباء تأثرت سلاسل الإنتاج والصناعة، ومن ثم تأثر كل شيء، فسرعة التأخر في التصنيع وزيادة الطلب وقلة المعروض أدت إلى ارتفاع الأسعار.

حرب وحبة صفراء

بعد 21 من فبراير هذا العام، بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، تصاعد الحديث عن مصير الأمن الغذائي المصري، فروسيا وأوكراينا الأكثر تصديراً للحبوب إلى مصر بشكل عام، فالدولتان وفرتا 75% من إجمالي واردات القمح في 2020، وفقاً لتقرير مكتب الشؤون الزراعية الأمريكية.

 

تأثر سعر طن القمح عالمياً بشكل متزايد بسبب الوباء والحرب؛ ففي 2020 وصل سعر طن القمح إلى 191 دولاراً، وفي بداية 2021 وصل سعر الطن إلى 207 دولارات، وفي آخر شهرَين بعد الحرب الروسية- الأوكرانية وصل إلى أعلى معدلاته خلال آخر خمس سنوات حتى بلغ 368 دولاراً نهاية مارس الجاري بزيادة 50% عن عام 2020.

سيؤدي النمو السكاني السريع والتغير المناخي المتوقع إلى جعل المنطقة العربية بأكملها أكثر دفئاً وجفافاً مع انخفاض هطول الأمطار في المستقبل، نتيجة لذلك من المتوقع أن يزداد اعتماد المنطقة على الواردات؛ نظرًا لكونها الدول الأكثر اكتظاظاً بالسكان والاقتصاد غير النفطي في المنطقة، فمن المتوقع أن يؤثر هذا الاتجاه على مصر أكثر من غيرها، فتعد مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، حيث استوردت نحو 12 مليون طن من القمح في 2019/2020؛ أي نحو 53% من إجمالي المعروض، وذلك وفقاً لبحث شارك فيه مركز البحوث الزراعية عام 2020.

ويستحوذ القمح وحده على 39.5% من إجمالي الواردات عام 2019، ويحتل الذرة المرتبة الثانية بـ11.8% وفقاً للتعبئة والإحصاء.

 

ظروف اقتصادية وسكانية ومُناخية تتحداها مصر؛ فلم يكن بالحسبان أن تتزايد الضغوط بسبب حرب في المنطقة الأكثر تصديراً للسلع الاستراتيجية على أمنها الغذائي، فماذا نستورد من دولتَي الصراع؟

يبلغ حجم الواردات من أوكرانيا 1.583 مليار دولار في عام 2020، ويستحوذ حجم الحبوب على النسبة الكبرى بـ1.186 مليار دولار، كما تحتل السلع الغذائية، البذور الزيتية والعلف الحيواني والزيوت الحيوانية والنباتية، مراتب متقدمة، بينما يتحتل الحديد المرتبة الثانية من حيث حجم الواردات.

 

على ناحية أخرى من طرف الصراع، فمصر استوردت من روسيا سلعاً بنحو 2.522 مليار دولار في 2020، واحتلت سلع مثل الخشب والحديد مرتبة ثانية وثالثة، ما قد يعكس تأثر بعض السلع غير الغذائية هي الأخرى.

 

في 2021 صرَّح وزير التموين الدكتور علي المصلحي، بأننا حققنا اكتفاء ذاتياً من القمح وصل إلى 55% في 2020؛ وهو ما يعد مؤشراً إيجابياً؛ إذ ارتفعت 15% عن عام 2019، ولكن هل هذه نسبة غير مسبوقة؟

وصلت مصر إلى أقصى انخفاض من حيث الاكتفاء الذاتي من القمح في عامي 2018 و2019، وفي عام 2014 وصلت إلى نسبة مماثلة لعام 2020؛ حيث بلغت 52.1%، واحتلت أعلى نسبة من الاكتفاء عام 2009 بنسبة 74.4%، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وتواجه الذرة أيضاً أزمة بعد الحرب، فتنتج مصر نحو 8.349 مليون طن من الذرة (الصفراء والبيضاء) وتحتاج إلى 8.018 مليون طن من الخارج، وفقاً للتعبئة والإحصاء، ووفقاً لمكتب الشؤون الزراعية الأمريكية، يغطي إنتاج مصر من الذرة الصفراء أقل من 20 في المئة من احتياجات الطلب على العلف.

في 2019، استوردت مصر ذرة بـ1.930 مليار دولار، واحتلت أوكرانيا المرتبة الأولى بـ643 مليون دولار، وفي 2020 استوردت بـ1.881 مليار دولار، واحتلت أوكرانيا المرتبة الثانية بـ492 مليون دولار.

الحرب كانت حافزاً للحكومة لبحث السبل البديلة لزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح، وزيادة المساحة المزروعة للقمح، 1.5 مليون فدان، علماً بأن أعلى مساحة زراعة للقمح كانت في عام 2014- 2015 بـ9.6 مليون فدان.

يقول دكتور مصطفى الدمرداش، الخبير الاقتصادي، خلال حديثه إلى "المدار"، إن مصر يمكن أن تستغل موقف الحرب لصالحها، بعدم التحيز إلى أي من طرفَي الحرب؛ خصوصاً أن سعر القمح الروسي في انخفاض بسبب العقوبات المفروضة عليهم؛ لذلك يجب أن تعلي مصر مصلحتها وأمنها الغذائي فوق أي اعتبارات أخرى، فضلاً عن أن خطة الحكومة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ستأخذ عدة سنوات لتحقيقها، كما أن مشكلة تضخم الأسعار أساسها جذور داخلية منذ عام 2016.

ويرى خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، أنه يمكننا توفير مصادر بديلة لاستيرادنا القمح، فضلاً عن أن الدولة المصرية وفرت احتياجاتها من الحبوب والقمح حتى نهاية العام وأنها قادرة على تحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي خلال العام القادم، أما عن سؤالنا: إذا لم نستورد الحبوب من أوكرانيا وروسيا في بداية العام الجديد، واعتمدنا على مصادر أخرى، هل ذلك سيؤثر على ارتفاع الأسعار؟ فأجاب بالإيجاب.

 

 







أضف تعليقك