المجموع وأشياء أخرى.. لماذا يستمر الطلاب المصريون في الذهاب إلى بلاد الحرب؟
مشاهد مؤلمة وحزينة شاهدها الجميع حول العالم لشوارع ومدن أوكرانيا، التي كانت تتزين بالمعالم الحضارية والتراث التاريخي؛ من متاحف وكنائس ومراكز تجارية حديثة، تحولت إلى رماد.
صور فزع وهروب المواطنين الأوكرانيين وخروجهم من منازلهم وتركهم بلادهم؛ خوفاً وهروباً من النيران الروسية، وتلك الاستغاثات التي أطلقتها جميع الجاليات التي كانت تعيش داخل الحرب، مناشدةً حكومات بلادهم من أجل أن تخرجهم من أهوال الحرب.. مشاهد لم تقتصر على ذلك فقط عاشها الجميع حول العالم.
على الرغم من استمرار تلك المشاهد واشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا ليومها الخامس عشر، وتصعيد الأمر من قبل دول الغرب والولايات المتحدة، وفرضها عقوبات قاسية على روسيا، للتراجع عن حربها ضد أوكرانيا؛ فإن الطلاب المصريين ما زالوا يتوافدون إلى بلاد الحرب، رغم أن كل المؤشرات تشير إلى حرب عالمية ثالثة.
داخل شقة صغيرة بعقار يحمل رقم 15 بمدينة السادات في منطقة إمبابة، اجتمعت أسرة علي؛ في محاولة أخيرة منها لمنع ابنهم خالد، صاحب الـ21 عاماً، من السفر إلى روسيا، في ظل الحرب المشتعلة؛ لكن الشاب يصرعلى الذهب من أجل تحقيق حلم يعد له منذ 2020.
في النصف الأخير من أغسطس 2020، ظهرت نتيجة الثانوية الأزهرية للطالب خالد علي، بمجموع لم يكن يتوقعه ولم يساعده على تحقيق حلم كان قد رسمه في مخيلته وبنى عليه مستقبله، فقرر الرحيل للتعلم خارج البلاد.
«أنا تعبت وسط امتحانات الثانوية»، يقولها صاحب الـ21 عاماً، الذي كان يسعى من أجل الدخول كلية الهندسة؛ لكن إصابته في منتصف الامتحانات بفيروس كورونا جعلته يتعسر في الثانوية الأزهرية، ليبدأ في تجهيز ورق السفر، والتقدم لكلية دراسات إسلامية بجامعة الأزهر؛ حتى يستطيع الحصول على التأجيل من التجنيد وتقديم الأوراق المطلوبة من أجل التعليم في روسيا.
«أنا قعدت سنة في الأزهر، كنت شغال وبعدين سحبت الملف»، خلال ذلك العام عمل خالد في عدة مهن مختلفة؛ من أجل جمع بعض الأموال حتى يستطيع السفر دون إضافة عبء على أسرته؛ بسبب عسر الحال.
في أكتوبر 2021، أبلغت جامعة «الدون الحكومية التقنية» التي تقع بمدينة روستوف- نا- دانو في القارة الأوربية، خالد، بقبول أوراقه بعد نجاحه في تجاوز اختباراتها الأولية، كما حددت له موعداً لدفع المصاريف الجامعية للبدء في الدراسة أون لاين قبل سفره. يقول خالد «الحمدلله نجحت في الاختبار بس ماكنتش جمعت المصاريف كلها وأهلي ساعدوني في دفع المصاريف».
قبل اندلاع الحرب بعدة أيام أرسلت الجامعة الروسية إيميلاً إلى صاحب الـ21 عاماً، تؤكد عليه أن يأتي إلى مدينة روستوف- نا- دانو، والتي تعد العاصمة الجنوبية لروسيا، في الوقت الذي سبق وتم تحديده والموافق 12 من مارس الجاري، وإلا سوف يتم فصله.
«لمّا الحرب قامت أنا خوفت» في 25 من فبراير الماضي، استيقظ خالد على خبر اجتياح القوات الروسية أوكرانيا ووقوع حرب بين الدولتين؛ ما جعله يشعر بالقلق فحاول التواصل مسرعاً مع الجامعة؛ لكي يعرف مصيره، ولكنه وجد ما يبرد صدره «قالوا الحرب بعيدة ومفيش حاجة اتغيرت، ولازم تيجي في موعدك وإلا هيتم فصلك».
«أهلي ماكانوش موفقين على السفر عشان الحرب» بعد محاولات عدة لإقناع خالد أسرته وإصراره على السفر من أجل ألا يضيع عاماً جديداً، وإلا تضيع مصاريف الجامعة التي سبق ودفعها في أول يناير 2022، خضع الوالد لرغبة ابنه، على أمل أن تنتهي الحرب، وأن يعود صغيره إليه بشهادة الهندسة التي لطالما حلم بها.

في جنوب غربي روسيا بمدينة فارنيش، والتي لا تبتعد كثيراً عن الحدود الدولية لأوكرانيا، الواقع بها الحرب، انتقل عبد الرحمن الخوالي، إلى هناك في تاسع أيام الحرب من أجل الدراسة في جامعة «فارونيش التقنية الحكومية».
في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الموافق 4 مارس من العام الجاري، وقف والدا عبد الرحمن صاحب الـ22 عاماً، والحزن يكسو وجهيهما والدموع تنهمر من عينَي الأم، في مطار القاهرة، يودعان ابنهما الذي كان تم تحديد سفره إلى روسيا قبل الحرب بمدة طويلة.
«الموضوع بالنسبة لي كان عادي لأن أنا ليه صحاب وأقارب مقيمين في فارونيش وهمَّ اقترحوا أن أسافر»، قبل اشتعال الأزمة بين روسيا وأوكرانيا بفترة اقترح أصدقاء الخولي عليه أن يأتي إليهم بروسيا، لاستكمال الدراسة الجامعية بعد أن تخرج في الثانوية في عام 2019 بمجموع 63٪، ولكن الشاب في بداية الأمر لم يكن يريد الابتعاد عن موطنه.
حاول الخولي التوجه إلى جامعات خاصة لرغبته في الالتحاق بكلية الهندسة؛ ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل؛ بسبب مجموعه، وبعد أن تأكد من عدم قبوله توجه إلى تقديم أوراقه لكلية الطاقة وأنظمة التحكم بجامعة فارونيش يقول «أهلي رحبوا بالفكرة جداً».
«لما الحرب حصلت كلمت قرايبي وطمنوني»، مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بداية اندلاع الحرب، ودخوله أوكرانيا، توصل صاحب الـ22 عاماً، مع الأصدقاء والأقارب، لمعرفة ما يجري في روسيا؛ ولكن الجميع أكد له أن البلد في حالة تامة من الأمان ولم تتأثر بالأحداث الجارية.
على الرغم من أن الحرب بين روسيا وأكرانيا أثرت على اقتصاد معظم دول العالم، بل وإصابة بعضها بشلل في اقتصادها؛ فإن روسيا لم تتأثر محلياً رغم كل العقوبات التي وقعت عليها من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، يقول عبد الرحمن «المصاريف هنا زي ما هي مفيش حاجة ارتفع سعرها والحياة طبيعية جداً».