الفرار لنا أولاً|فلتذهب شعارات الغرب إلى الجحيم.. قصة إفريقي دفعه الأوكران للموت بسبب لونه
مع بداية الحرب على أوكرانيا، لم تُفرق صواريخ الروس بين أبناء الأرض وضيوفهم، الجميع كانوا مُستهدفين؛ لذا كان الهروب هدفًا واحدًا للجميع، لكنّ أبناء الأرض عاملوا ضيوفهم بتمييز وعنصرية؛ ووضعوهم كدروع بشرية في مواجهة نيران الروس مُقابل النجاة بأنفسهم.
3 أعوام قضاها العشريني في أوكرانيا، سعى لسنوات لتحقيق حلم بدا صعبًا؛ لكن بإصراره نجح في الوصول إليه.. "ألكسندر سومتو" مواطن نيجيري، أحد الطلاب الأفارقة الذين تعرضوا إلى عنصرية من قَِبل الأوكران أثناء محاولة الخروج من العاصمة كييف، بسبب القصف الشديد عليها.

"تعرضت وأبناء وطني إلى العنصرية أثناء محاولتنا الفر ار"، قبل سنوات حمل الشاب حقائبه مودعًا عائلته نحو السعي لمستقبل أفضل بالقارة العجوز؛ فبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية قرر الالتحاق بإحدى جامعات أوكرانيا لشهرتها الواسعة، وبالفعل التحق الشاب بجامعة الاتصالات الحكومية لدراسة إدارة الأعمال بالعاصمة كييف.
حلم ألكسندر في بدايته كان صعب التحقيق؛ لكن الفتى منذ أن وطأت قدماه أرض الأوكران أدرك أنه على بعد خطوة واحدة من تحقيقه، فمنذ طفولته سعى للحصول على شهادة كُبرى تؤهله لتقلد وظيفة مرموقة؛ لكن لن تُساعده الدراسة في وطنه، والتي تُعاني بدرجة كبرى منذ الالتحاق بها؛ لذا كان الخروج نحو بلد آخر هو الحل الأمثل.

مرت الأشهر الماضية على الفتى ساعيًا في طريقه، لكن الحال ليست دائمًا تسير وَفق ما نتمناه؛ فمع اليوم الأول من إطلاق الروس صواريخهم على العاصمة كييف، أدرك سومتو أن الأمر لن يمر هكذا، لذا بدأ يفكر في الهروب والعودة إلى وطنه الأصلي. لم يُدرك الشاب أن عرقه وجنسيته يمكن أن يدفعاه بقوة نحو الموت وحيدًا دون وداع الأهل "لم يسمحوا لنا بركوب القطار وكانوا يبعدوننا بقوة".
حزم الفتى ورفاقه حقائبهم، وجدوا أمامهم طريقًا وحيدًا للنجاة وهو محطة قطار العاصمة، العشرات تجمعن بداخل المحطة؛ جنسيات وأعراق مختلفة، فرقتهم المواقف لكن جمعهم محاولة الفرار، وقف سومتو ورفاقه بجانب من المحطة ومع وصول أول قطار هموا بالصعود؛ لكنّهم تفاجؤا بأيادٍ تدفعهم نحو الرصيف حتى إنهم كادوا يسقطون أسفل عجلات القطار، ومع محاولاتهم للنجاة بالصعود دفعتهم الأيادي من جديد؛ حينها أدركوا أن النجاة هنا ستكون أصعب.

امتلأ القطار الأول وغادر مُحملاً بأبناء الأرض، وعاد سومتو ورفاقه نحو جانب المحطة والحُزن بأعينهم واليأس على أكتافهم، فتيقنوا أن لونهم سيقف أمامهم عائقًا للنجاة؛ لكن الفتى وقف أمام الجميع ونادى بصوت مرتفع بأنه لن يسمح لأحد بمعاقبته على لون بشرته والنجاة حق مكفول للجميع، فالكل هنا هارب من الموت لذا فلا مكان للعنصرية، تفاعل مع حديث الفتى الكثير من العرب والأفارقة واحتجوا على تعامل الأوكران معهم رغم أنهم في ذات الموقف.
"نجحنا في الوصول إلى الحدود مع وارسو"، عقب احتجاج الشاب ورفاقه نجحوا في الصعود على القطار التالي، ساعات قضوها دون إدراك مصيرهم، لكنّهم وصلوا نحو الحدود باعتقادهم أنهم باتوا على طريق الأمان، لكن الأمر لم يختلف عن سابقه في كييف؛ فتعاملوا مع العشريني ورفاقه وغيرهم من ذوات البشرة السوداء بعنصرية أكثر قسوة، "على الحدود فصلونا إلى فريقَين البيض على جانب والأفارقة والآسيويين على الجانب الآخر، وكانوا يسمحون للبيض فقط بالعبور".

قضى الفتى أيامًا رفقة العديد من أصدقائه وغيرهم من الهنود والآسيويين الذين واجهوا نفس المصير، اعتقد سومتو أن النجاة باتت من نصيبه؛ لكنه لم يُدرك أن الغرب لن يسمح بنجاته بتلك السهولة، فظل لأيام متكئًا على حقيبته بيديه قطعة خبز وكمية قليلة من المياه وملابس لم تقِه رغم من ثقلها من قسوة البرد، استسلم الشاب لمصيره المجهول، لم يفكر سوى في عائلته التي ودعته قديمًا نحو حلمه؛ فلا يُدرك هل سيعود إليهم أم سيُلقي حتفه في تلك الأرض الغريبة.
كان الوقت يمر بصعوبة على الشاب، تيقن أن النجاة باتت مستحيلة؛ خصوصاً أن الموت كان أسرع إليهم فحمل معه اثنين من رفاق العشريني، وغادر فأدرك أنه سيعود لحمله، إلا أن القدر كان له رأي آخر، ومع شروق شمس جديدة ولدت الحياة فوطأت قدما الشاب على الأرض الأخرى، واستطاع تجاوز الحدود بمعجزة إلهية تاركًا خلفه حلمًا لم يكتمل تحقيقه وذكريات مؤلمة ستظل تلاحقه خلال سنوات عمره.
لطالما نادت أبواق الغرب بالمساواة والحرية؛ لكن مع الاختبار الأول لهم وضعوا تلك الأحاديث أسفل أحذيتهم، فنجاتهم هي الأسمى ولتذهب الحرية إلى الجحيم.