فوبيا الحروب.. كابوس روسيا وأوكرانيا أيقظ ذكريات الدم والدمار في الأمة العربية

فوبيا الحرب
فوبيا الحرب



طيلة الساعات الأخيرة الماضية، لم تحِد أنظار العالم صوب ما يحدث داخل الأراضي الأوكرانية؛ محللون عسكريون وخبراء استراتيجيون وآخرون من مسؤولي الدول يقبعون على شاشات شتى وسائل الإعلام العربية والدولية، بلغاتها المختلفة، في محاولة لنقل الصورة كاملةً وما تؤول إليه هذه الحرب القاسية عبر البر والبحر والجو، وما خلفته من خسائر فادحة ومشاهد دمار مؤلمة تحكي دون أحاديث ما جرى وما يجري الآن.

الحرب

 

في كلمة متلفزة، فجر الخميس الماضي، وجَّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوامره العاجلة إلى وحدات جيش بلاده بشن الهجوم على العاصمة الأوكرانية، ليحدث ما أمر به قبل أن ينهي حديثه، مطالباً، عقب إعلانه الحرب، الجنودَ الأوكرانيين بالتخلي عن أسلحتهم، لعدم رغبته في احتلال الأراضي الأوكرانية.

موضوعات متعلقة

مشاهد دمار وقصف مروع شهدتها الحرب بين الجارتين، ووزع خسائره الضخمة ما بين مؤسسات عسكرية وأخرى مدنية، ولم يكتفِ بذلك؛ بل خلَّف أرواحاً بشرية، حسب ما تنقله تغطيات العديد من وسائل الإعلام.

الحرب الروسية- الأوكرانية أعادت فتح الجراح ولحظات الضعف والآلام والمعاناة، لدى آلاف المواطنين من الدول العربية، الذين يعرفون كثيراً عن الحروب وما يدور خلالها، بعدما عايشوها في بلادهم يوماً من الأيام، أو ما زالت بلادهم حتى الآن تحت وطأة مثل تلك الحروب الدامية التي لم تنتهِ.

الحرب

 

«الحرب في أوكرانيا تذكرني بتلك التي عشتها تحت القصف»، بهذه الكلمات وصف نور الدين الإسماعيل، الذي ينتمي إلى الأصول السورية، ما يشعر به الآن، على الرغم من قلة كلمات نور الدين؛ فإنها تحمل آلاماً وأوجاعاً كثيرة، بعدما أعادت إليه مشاهد الدمار بأوكرانيا ما عاشه أياماً وشهوراً وسنوات طوال تحت الحصار ووطأة الحرب «في كل حادثة قصف كانت تحدث في مدينتي كنت أفقد أشخاصاً من أقاربي؛ وهي قصفات كثيرة لا يمكن حصرها».

القصف في فلسطين

 

لحظات قاسية أقل ما يتم وصفها بالصعبة، عاشها نور الدين الذي كان يعمل محرراً لدى وكالة "سمارت للأنباء" بسوريا، يقارنها بتلك التي يراها في العاصمة الأوكرانية؛ يتذكر أصوات القذائف التي كانت تدوي في أرجاء مدينة «كفرنبل» التي كان يقيم بداخلها مع أسرته «زوجته وأطفاله الصغار»، والتي أنهكتها الحرب والتدخل الأجنبي من كل حدب وصوب، ومشاهد القصف التي كانت تستهدف المدنيين من الطائرات العسكرية، يقول «حين يكون أطفالي الصغار خائفين، كنت لا أملك إلا مواساتهم دون أن أتمكن من حمايتهم»، فربما يتحولون في لحظة من الزمن وهو معهم إلى أشلاء من صاروخ يأتي موجّهاً.

قصف

 

لا ينسى نور الدين، الذي يعمل حالياً مدققاً لغوياً في إحدى المؤسسات المحلية، ذلك اليوم الذي جلس فيه مع صغاره في انتظار أذان المغرب في أحد أيام رمضان عام 2013، حين ألقت طائرة مروحية برميلاً متفجراً بالقرب من المنزل، حوَّل المكان إلى ركام؛ ليختلط الطعام الذي كانوا يتناولونه على وجبة الإفطار بالأتربة والرمال: «لم يُصب في هذا الوقت منا أحد؛ لكن كانت لحظات صعبة».

مشاهد النزوح التي يعيشها الشعب الأوكراني اليوم هي نفسها ما حدثت مع نور الدين عام 2019، يقول: «لم نعد نحتمل القصف الجوي والمدفعي والصاروخي على مدينتي كفرنبل، واستأجرت سيارة وحملت عائلتي وأهلي وانطلقنا هاربين باتجاه الحدود طلباً للنجاة، وما زالت في هذه المنطقة حتى الآن بعد أن سقطت المدينة».

أوكرانيا

 

بعد 3 أيام من الحرب التي بدأت الخميس الماضي، لا تزال العاصمة الأوكرانية تقاوم المعاناة، بعدما تعرضت إلى شلل تام عقب القصف، حيث فر 120 ألف شخصا حتى الآن من أوكرانيا إلى البلدان المجاورة، هرباً من أهوال العملية العسكرية بها، حسب وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ووفقاً لما نقلته شبكة «روسيا اليوم» الإخبارية.

وقالت شابيا مانتو، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: «إن ما يقرب من 116000 عبروا الحدود الدولية حتى الآن، وقد يرتفع هذا الرقم.. إنه يتغير كل دقيقة ويتغير كل ساعة»، بينما تتوقع الوكالة أن يفر ما يصل إلى 4 ملايين أوكراني إذا تدهور الوضع أكثر؛ حيث يقصد هؤلاء الهاربون بولندا ومولدوفا وهنغاريا ورومانيا وسلوفاكيا المجاورة، وحتى البعض الآخر إلى بيلاروس.

الحرب

 

«صعب لما الناس تفقد المكان الآمن»، يقول الصحفي اللبناني خليل القاضي، واصفاً التحدي الأصعب الذي تفرضه الحروب على الشعوب، وفقدانهم الأكل والشراب وما يساعدهم على مقاومة الحياة خلال الحروب التي تحول البلاد إلى دمار «أي حرب يتم فيها دمار البنية التحتية والمرافق العامة والمؤسسات وتدهور النظام المالي والاقتصادي».

عام 2006، عمل «القاضي»، في تغطية حرب تموز «العدوان الإسرائيلي على لبنان»، شاهد خلالها العديد من الأحداث التي كلما شاهد ما يحدث في العاصمة الأوكرانية تذكرها: «الحرب التي نشاهدها الآن تذكرنا بالموت المجاني والمآسي التي كنا نعيشها»، وفيها يصبح الإنسان هائماً على وجهه؛ خصوصاً لو كانت هناك تجهيزات في الدولة وتتسبب من مشاهد مؤلمة، يقول «مشاهد الناس والبحث عن مأوى بعد التعرض إلى القصف حدث لنا مثلها من العدوان الإسرائيلي»، لتنتشر بعدها المخيمات.

لبنان

 

وتابع الصحفي بلهجة مأساوية: «أكتر حاجة مؤلمة أن يصبح الكل على مواجهة مباشرة مع الموت؛ أطفال وكبار»، بينما لم يتمكن أحد من هؤلاء من القدرة على التعامل، متمنياً أن تنتهي الحرب؛ لكونها تؤثر على كل مفاصل الحياة سواء للشعب أو الدولة.

 ما شعر به «نور الدين» دوَّنه عشرات الأشخاص على منصات مواقع التواصل الاجتماعي من العديد من الدول التي عانت كثيراً وذاقت خلال السنوات الماضية الأخيرة طعم ومرارة الحرب؛ منها سوريا والعراق واليمن، يتذكرون اللحظات الصعبة التي مرت عليهم خلال تلك النكبات، وكلما اشتدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا أعيد فتح جراحهم التي لم تلتئم بعد.

 

وتصدر هاشتاج «الحرب العالمية الثالثة»، و«الحرب الروسية- الأوكرانية»، الأكثر تداولاً على «تويتر»، في معظم الدول العربية، بعدما تداول المغردون صوراً ومقاطع فيديو تظهر القصف الروسي، وأضافوا أن الحرب الأوكرانية تشبه الحروب التي عانت منها بلادهم.

«عند شن الحروب تكون هناك حالة من الرعب والخوف وإرهاب المواطنين تُفرض من قِبل المحتل»، يقول محمود خلف، عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية الفلسطينية، خصوصًا لو كان الشعب أعزل، مثل الجيش الفلسطيني الذي لا يملك أي قدرات للدفاع عن نفسه: «في هذه الحالة تكون السيطرة لمَن يحمل السلاح»، موضحاً أن مَن عاش الحرب لا تفارقه تفاصيلها والمعاناة التي تفرضها.

 

«الدمار والمجازر بحق المدنيين أتذكرها في كل حرب»، يستكمل خلف، وذلك عندما تتعرض أية دولة إلى حرب؛ لأن هذا ما يحدث فيها ويجبر المواطنين على هجر البلاد والبحث عن مكان آمن آخر.







أضف تعليقك