أنا مسلماك لربنا يا سعيد.. ضحية المعدية الذي أنجبته أمه بعد 14 سنة

معدية القناطر
معدية القناطر



على مدار 10 أعوام، سعت أميرة لإنجاب طفل، كانت تناجي الله في الليل لتحقيق هذا الحلم، لم تيأس؛ وُلد بداخلها يقين أن الفرج قد أوشك، وبالفعل جاءتها البُشرى ورزقت بابنتها أمل صاحبة الـ16 عاماً؛ لكنَّ الفرحة الكُبرى كانت سعيد، الذي جاء بعد شقيقته بنحو 4 سنوات.. ولم تمنح الحياة الأم فرصة أخرى فأُصيبت بمرض خطير على إثره أجرت جراحة وأزالت الرحم لتكتفي في دنياها بطفلَيها.

"لما كبر ورجله شالته قال لُه يابَا هجري عليك إنت وأختي وأمي"، كان سعيد هو فرحة البيت، عُرف عنه المسؤولية منذ نعومة أظافره، ففي التاسعة من عمره أُصيب والده بعدة أمراض أقعدته الفراش، ليقرر الفتى الخروج والبحث عن عمل. ورغم المشقة التي واجهها؛ فإنه لم ييأس، فعمل بالكثير من المهن رغم صغره، إلا أنه كان أشبه برجل كبير.

 

 

حاولت الأم منع الصغير من العمل، وأخبرته أن يعيش طفولته؛ خصوصاً أنه كان في الثانية عشرة من عمره، لكن إجابته لها دائماً: "يامَّه مش عايز أسيبك تمدي إيدك للناس أنا راجل"، فسلمت السيدة أمرها إلى ربِّها، وكان صغيرها يحمل معه دعواتها لحفظه، حتى حانت لحظة الفراق.

في يوم الواقعة استيقظ الصغير مبكراً؛ توضَّأ وصلَّى الفجر، طلبت منه والدته تناول الإفطار؛ لكنَّه استأذنها في كوب شاي فقط، وبعده همَّ للمغادرة رفقة أبناء القرية، فالسيارة في انتظارهم على الجسر لتقلهم إلى البر الآخر من النهر نحو المزرعة التي يعملون بها.

معدية القناطر

صمتت الأم المكلومة قليلاً.. كانت على وشك البكاء، لكنَّها ظلَّت تردد بعضاً من آيات الذكر، إضافة إلى جملة لم تنقطع من لسانها طوال حديثها "الحمد لله شحتُّه منك يا رب وانت ادتهولي، ودلوقتي رجعلك.. أنا مسلماك لربنا يا سعيد"، كان سعيد يدرس بالصف الأول الإعدادي، يذهب يوماً واحداً فقط للمدرسة وباقي أيام الأسبوع يعمل بالمزرعة، حتى يتمكن من تسديد أقساط قرض حصلت عليه والدته لعلاج والده.

كان حلم الفتى كبيراً؛ أخبر أمه أنه يريد أن يُصبح مهندساً أو طبيباً حتى يحقق أمنيات والده ووالدته وشقيقته الوحيدة، كان صغيرًا في العمر؛ لكنّ عقله كان عقل رجل ناضج. على الرغم من أنه لم يحصل على أي من الدروس الخصوصية؛ فإنه كان يجتهد.. كان معلموه يخبرون والدته أن سعيد مجتهد وسيصبح ذا شأن رغم أنها في كثير من الأحيان لم تكن تصدق ما يقولون.. كيف لابنها أن يكون ذا شأن وهو يهتم بالعمل فقط وتوفير احتياجاتهم ولا يذهب إلى المدرسة سوى يوم واحد.

معدية القناطر

ذهب سعيد إلى العمل وانشغلت الأم في قضاء احتياجات المنزل، وبعد أذان العصر وقع على أذنيها صوت صراخ نساء القرية، لتجد الجميع يتحدث عن غرق السيارة التي تحمل أبناءهم، هرولت الأم نحو الشاطئ في طريقها كانت تردد "ابني مات.. سعيد مات".

كان الفتى أو من خرج من البحر مع ابنة خالته العروس زينب، الأم كانت صابرة راضية بقضاء ربها؛ لكنها كانت تبحث عن إجابة واحدة فقط حتى يطمئن قلبها "يا ترى يابني مُت وانت جعان ولَّا عطشان؟"، لتريح إحدى الناجيات قلب الأم، فأخبرتها أن سعيد تناول معها الطعام قبل الصعود على المعدية، هدأت الأم وعادت تردد الذكر طالبةً رضا ربها، وأن يلقي الصبر في قلبها.

معدية القناطر

 

 







أضف تعليقك