حديث أهل القرية.. ندى قررت تحقيق حلمها في شقيقاتها فابتلعها البحر
حينما تتجوَّل في شوارع القرية الحزينة تجد الجميع يتحدث عن الأبطال الثمانية، لكنَّ هناك اسماً يتردد على ألسنة الكثيرين.. يصفون صاحبة هذا الاسم بأنها طفلة بـ"100 راجل"، كانوا يتحدثون عن ندى، تلك الصغيرة التي ضحت بحياتها من أجل أسرتها، فالأب الذي خرج من الدنيا بخمسة من البنات كانت ندى أكبرهن، تبلغ من العمر 14 عامًا.
"أبوها كان بيقول لها ماتطلعيش تتبهدلي؛ لكن كانت بتقول له لأ يابَا هاطلع أساعدك وأصرف على إخواتي"، والدة ندى سردت جزءاً من حياة الصغيرة التي فقدتها للتو.. ندى لم تكن كغيرها من الأطفال؛ فالطفلة تحملت المسؤولية مبكراً، فبعد انتهائها من المرحلة الإعدادية غادرت المدرسة واتجهت للعمل في مزارع الجبل المختلفة، والسبب أن ظروف والدها المريض لن تسمح له بإعانتها وشقيقاتها الأربع؛ لذا كان عليها التضحية من أجلهن.
مرضت الفتاة لنحو 6 أيام مكثتها داخل منزلها البسيط بالقرية، وفي يوم الواقعة قررت الخروج، طلبت منها والدتها عدم الذهاب للعمل؛ فلا تزال مريضة؛ لكن الطفلة أخبرت أمها أنها قادرة على الحركة وستذهب رفقة صديقتَيها التوأم هدى ودعاء إلى المزرعة، وستكون سعيدة معهما. وأخبرتها أن رفقاءها أثناء مرضها جلبوا معهم عصيراً وبعضاً من المعجنات، ستتناولها فور عودتها من العمل "كانت شايلة قُرَص علشان تاكلها بس طلعت ومارجعتش".

ظلَّت ندى تعمل لسنوات داخل مزرعة فلفل بالجبل، لكن هذا العمل كان يجبرها على الخروج فجراً من منزلها بالقرية، وكانت أمها تشعر بالخوف عليها، لذا حاولت مراراً معها أن تترك هذا العمل، إلا أن الفتاة أصرَّت على استكماله، حتى أخبرتها رفيقتها هدى بأنهم سيذهبون للعمل في مزرعة البيض، فَرِحَتِ الفتاة وقررت الذهاب إلى عمل جديد مع صديقتها، اطمأنت الأم حينها لأن صغيرتها لن تضطر إلى الخروج بمفردها فجراً وستذهب في السابعة صباحاً مع الكثير من أبناء القرية إلى مزرعة الدواجن.
"ندى كانت بتشتغل علشان تعلم أخواتها"، الفتاة قررت التضحية بمستقبلها من أجل أسرتها، خرجت إلى الجانب الآخر من النهر للعودة بخمسين جنيهاً هي مصدر دخل منزلهم الوحيد، اتخذت عهداً على نفسها أمام والدتها بأنها لن تسمح لشقيقاتها بمغادرة المدرسة، بل ستساعدهن حتى يحققن أهدافهن، حتى إنها أخبرت والدتها ذات يوم أنها لن تتزوج بل ستعمل حتى تتزوج شقيقاتها وستظل هي رفقة والدَيها لخدمتهما.

كانت ندى تمتلك الكثير من الأمنيات؛ سَعَت إليها، لكنّ الظروف حالت بينها وبين تحقيقها، فقررت رؤية حلمها في تفوق شقيقاتها أمام عينَيها، لكن النهر سرق ندى واختفت الأحلام داخل منزلهم.. استغاثت الفتاة كثيراً وهي في النهر، حاولت مقاومة المياه؛ فلطالما كانت ندى قوية لا تيأس لكنَّ المياه كانت أقوى من جسدها الضعيف، فألقت به بعيدًا، لترحل ندى وتبقى ذكراها حديث أهل القرية.
