طاقة نور.. ألواح الشمس تبعث الأمل ببلدة بنبان أقصى غرب الصعيد
على الضفة الغربية للنهر، قرية صغيرة زينتها الشمس حديثاً، عانى أهلها الإهمال عشرات السنين، المارة على طريقها لم يكونوا سوى بسطاء وليسوا سواهم.. اليوم، تغيَّرت ملامحها، وتبدلت أحوال أبنائها الذين قرروا في الماضي البحث عن حياتهم خارج حدود الوطن؛ لكن قبل نحو 4 سنوات عثروا على تلك الحياة في صحراء البلدة.
منازل بسيطة ومواطنون لم يمتهنوا عملاً سوى الزراعة أو الهجرة، القرية التي اقتبس أهلها مسماها من الفراعنة قديماً "بنبان" لم يخطُ على أرضها مسؤول لسنوات، فتيقن أهلها أنهم سيظلون خارج الصورة حتى الموت، لكن الشمس التي تشرق يومياً على ضفتَي النهر من حولهم، قررت تلك المرة أن تنير لهم الطريق من سفح الجبل.
قبل نحو 14 عاماً تقلّد العمدة مجدي الحسيني، زمام الإدارة في قرية بنبان، لا خدمات أو مستشفيات، واقتصر التعليم على مدرسة ابتدائية.. المسؤولون تناسوا وجود القرية كونها تقع أقصى غرب المحافظة الحدودية، لم تعانِ بنبان وحدها الإهمال؛ فكثير من قرى مركز دراو كانت على هذه الحال.
"الأمل رجع لنا تاني وقُلنا خلاص الحياة هتدخل بيوتنا مع أول حجر للطاقة"، في فبراير من عام 2018 تسلل النور إلى منازل القرية الصغيرة، على بُعد 14 كيلومتراً، بسيطة ولد الأمل من جديد، مع إعلان تنفيذ مشروع الطاقة الشمسية في صحراء بنبان، المشروع الذي اعتبره أهالي القرية منقذهم الوحيد، على الرغم من أن بعضاً من الخدمات تسللت نحو البلدة قبل البدء بالمشروع، فأنشئ عدد من الوحدات الصحية ومدرسة إعدادية وثانوية، لكن لا تزال بنبان تفتقد عموداً أساسياً من أعمدة الحياة وهو توفير فرص عمل لأبنائها، هذا العمود الذي استكمله مشروع الطاقة في ما بعد.

23 ألف مواطن يعيشون في مساحة صغيرة في صحراء غرب أسوان، في الساعات الأولى من الإعلان عن احتياجات المشروع لعمال خرج المئات من أبناء بنبان يحملون بيد أوراق هوياتهم، وبالأخرى يرفعونها بالدعاء؛ عسى أن تأتي الاستجابة لهم، وبالفعل عمّ الخير البلدة، وحسب عمدتها فإن اقتصادها اختلف تماماً عن السابق، على الرغم من أن بنبان اشتهرت بتصدير المحاصيل الزراعية؛ خصوصاً محصول الطماطم المجففة للخارج، إلا أن مشروع الطاقة كان مختلفاً.
"المشروع شغل شباب القرية والقرى المجاورة.. المهندسين كلهم كانوا ينزلون على البلد ويجيبوا الخير معاهم"، وفقاً للخمسيني فإن نحو 30 ألفاً من أبناء البلدة والبلاد المجاورة عملوا في المشروع نحو 4 أعوام، اختلفت الوظائف ما بين عمال ومحاسبين ومقاولين، لكن الفرحة لم تكتمل؛ فتلك العمالة بأكملها كانت غير منتظمة، لكن الفترة التي عملوا خلالها لم تمنعهم من رفع مستوى معيشتهم وبدا هذا الأمر واضحاً لدى الغرباء أيضاً.

قبل سنوات، كان الكثير من أهالي بنبان يشترون مستلزمات منازلهم من التجار الغرباء أو حتى من المقيمين بالقرية "قسطاً"، وكانوا يسددون الدين على فترات طويلة؛ لكن مع عمل الشباب بالمشروع توفرت لديهم القليل من الأموال، حتى إن بعضهم كان يسدد ثمن ما يشتريه من التجار المتجولين فورياً، التجار أنفسهم تعجبوا من الأمر؛ لكنهم أيضاً نالوا نصيباً من خير المشروع.
"المشروع وضع بنبان على الخريطة قدام العالم كله"، 52 عاماً هي عمر عمدة بنبان، خلال تلك السنوات لم يكن اسم قريته الصغيرة يتردد كثيراً ولم تعتَد أيضاً استقبال الغرباء، حتى أنشئ مشروع الطاقة الشمسية في صحرائها، فمهدت الطرق لاستقبال المسؤولين ذهاباً وإياباً للمشروع، وتجوَّل في شوارع القرية زائرون من كل مكان.. الجميع جاء يتعرف عليها، حتى إنها تصدرت صفحات الصحف المحلية والدولية، لكن ما زالت بنبان تُعاني مشكلات نقص بعض الخدمات التي لم يتم تنفيذها بعد، مثل مشروع الصرف الصحي الذي يؤرق أهلها؛ خصوصاً أنها قرية "مُبتلة" وفقاً لعمدتها، لذا فالقرية ما زالت في احتياج إلى مزيد من الاهتمام؛ لكنّ البذرة الأولى لتحقيق كل ذلك كانت من داخل مشروع الطاقة الشمسية.

داخل دوار العمدة تجمع عدد من أبناء القرية وكبارها، دارت بينهم العديد من الأحاديث والمناقشات؛ لكن كان الحديث الأبرز عن مشروع الطاقة الجديد بقريتهم، كباراً وصغاراً؛ الجميع لامسوا تأثيره حتى ولو كان بسيطاً على البعض منهم، فاسم قريتهم الذي كان يجهله الجميع سوى البعض من القرى المجاورة لهم بالمحافظة أصبح شائعاً اليوم.
"من 5 سنين كنت باروح بالبلح البلاد اللي جنبنا وأقول لهم أنا من بنبان؛ ماكانوش يعرفوها"، السيد عيد جلال، أربعيني، وأحد مواطني بنبان، رافق العديد من كبار بلدته داخل دوار العمدة.. تأثير الطاقة على الرجل كان مختلفاً بعض الشيء؛ فوجد أن مشروع بنبان أسهم في إدخال الكثير من الترفيه والمواد الأساسية لبلدته، قديماً لم يكن لديهم سوى العيش الشمسي والذي اشتهر به الجنوب المصري، لكن ومع ظروف المشروع والذي توافد إليه العشرات من أنحاء القطر المصري أنشئت بعض من المخابز فدخل القرية أنواع أخرى من الخبز.

التطور لم يقف عند هذا الحد لدى الأربعيني، فاستغل عدد من أبناء القرية وجود العديد من الغرباء من مهندسين وعمال بالمشروع، ولأنه أنشئ داخل صحراء جرداء، فكان هؤلاء الغرباء يقضون احتياجاتهم ولوازمهم من القرية؛ لذا افتتح بعض من المحلات التجارية والسوبر ماركت، لترفع أيضاً مستوى المعيشة من ناحية ومن اقتصاد البلدة من ناحية أخرى.
"في مشروع الطاقة اللي عنده عربية أجَّرها واللي عنده جرار زراعي واللي عنده معدة الكل استفاد"، أصبحت بنبان قرية نموذجية حسب أهلها، تنقصهم بعض الخدمات البسيطة، إضافة إلى رجائهم توفير الكهرباء بأسعار مخفضة؛ خصوصاً أن المصدر الأساسي للطاقة بات جوارهم.

قبل مشروع الطاقة ببنبان واجه الأهالي صعوبات في التنقل تحديداً لمحافظة أسوان، فالقرية التي تبعد مسافة نحو 35 كم، كان أهلها يسافرون يوماً كاملاً لقضاء مصالحهم بالمدينة، لعدم توافر وسيلة نقل مباشرة بينها وبين المحافظة، والتي تبعد فقط نحو 60 دقيقة، أما اليوم ومع البدء في تشغيل مشروع بنبان أنشئ موقف للسيارات الأجرة على أطراف البلدة، يستقل منه المسافرون ذهاباً وإياباً إلى أسوان ومختلف مراكزها.
الحكاية لم تنتهِ في بنبان عند مشروع الطاقة، فهناك مشروعات أخرى جلبتها ألواح الشمس خلفها، حسب الأهالي من البلدة، فإنه يتم التخطيط لإنشاء مشروع دواجن بالظهير الصحراوي، لينضم إلى قائمة المشروعات الكبرى التي ستغطي الغرب بأكمله، إضافة إلى مشروعات الاستصلاح وغيرها، لتبعث بنبان الجديدة بطاقة نور كبيرة وشعاع أمل نحو البلدة القديمة وأهلها.