اخشوشنوا.. "معركة الحبة الصفراء"| "هدر القمح" يحرم 21 مليون مصري من الغذاء
تُصارع حبةُ القمحِ الصفراءُ تحدياتٍ جليةً؛ سواء في الداخل المصري عبر ضغوط اقتصادية ومُناخية أو خارجياً إثر ضغوط عالمية من وباء وحرب. وعلى صعيد آخر، هناك كميات ضخمة من هدر الطعام والقمح بصورة خاصة يُمكن أن تُوفر الغذاء لملايين وتقلل من مخاطر أزمة استهلاكنا من القمح.
ووَفق برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، يشير مصطلح إهدار الغذاء، بشكل عام، إلى الإنتاج الذي يتخلص منه المستهلك؛ حيث إن إهدار الغذاء يحدث عادةً في مراحل الإنتاج وما بعد الحصاد والتصنيع الغذائي، ويرتبط مفهوم هدر الطعام بالأمن الغذائي؛ وهو مصطلح ظهر في بداية السبعينيات.
انعدام الأمن الغذائي يشغل بال منطقة الشرق الأوسط ومصر بشكل خاص؛ إذ تعتمد على تلبية نصف احتياجاتها من الحبوب، خصوصاً القمح من الخارج.
يشير مركز البحوث الزراعية إلى أنه يمكن زيادة المعروض من القمح من المصادر المحلية؛ من خلال زيادة مساحة القمح، وزيادة الإنتاجية لكل وحدة مساحة، والحد من فقد الأغذية وهدرها.
يرى المركز أن الخيارَين الأول والثاني لهما تحديات كبيرة، كما أن زيادة الإنتاجية وحدها لن تكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان.
يقول رضا محمد علي، مدير معهد المحاصيل الزراعية رئيس الحملة القومية للقمح، إنهم رغم التحديات يوجهون جهودهم إلى ثلاثة محاور من التنمية؛ المحور الأول يحتاج المزيد من الإمكانات، وهو استصلاح أراضٍ زراعية جديدة لزيادة مساحة المحصول في توشكى والوادي الجديد والدلتا الجديدة، وتوجيه المزارعين لأصناف من القمح تتأقلم بشكل كبير مع التغيرات المناخية؛ سواء أكانت شديدة الحرارة في الوجه القبلي أم شديدة البرودة في الدلتا.
تشير دراسة للمركز القومي للبحوث الزراعية، بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، إلى أن تقليل هدر الطعام مهمل بشكل لايصدق؛ ولكنه مهم من الناحية الاستراتيجية، لأن ثُلث الإنتاج الغذائي العالمي يُفقد.
وتخسر مصر، وفقاً لتقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية عن نسبة الفقد من الطعام، بين 13% و15% من محصول القمح؛ مما يشير إلى أن الحد من خسائر ما بعد الحصاد أكثر أهمية من مختلف الاستراتيجيات والجهود المبذولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
يقول رضا محمد علي، مدير معهد المحاصيل الزراعية، خلال حديثه إلى "المدار"، إن محور التنمية الثالث هو تقليل الفقد، وأن فقد القمح ومن ثمَّ هدر الغذاء يمكن أن يحدث أثناء التخزين والمعالجة والتسويق والنقل، مشيراً إلى أن أكبر نسبة فقد للقمح كانت منذ سنتَين حين كان المزارعون يستخدمون الشون الترابية، حيث إن أكبر نسبة فقد كانت في مرحلة ما بعد الإنتاج أثناء التخزين.
ما أسباب هدر القمح؟
تشير دراسة لمركز البحوث الحقلية بعنوان "الفاقد والمهدر من الأغذية على طول سلسلة قيمة القمح في مصر"، نشرت في نهاية 2021، إلى أن الخسائر في القمح تحدث لأن معظم المزارعين لايتبعون ممارسات الإدارة المثلى، وتعرض المحصول إلى القوارض وهجمات الطيور.
وتحدث خسائر كبيرة أيضًا أثناء الحصاد والتجميع اليدوي؛ خصوصاً أثناء النقل، كما لاحظت الدراسة خسائر كبيرة في المستودعات الحكومية؛ خصوصاً في المستودعات المفتوحة في الهواء الطلق، والتي تُسمى محلياً "شوناً"؛ التي لا توفر الحماية من الطيور والقوارض وتغيرات الطقس والإصابة بالحشرات، وأنه يعتقد أن المشكلات لا تسبب فقدان القمح فحسب، بل تسبب أيضًا مشكلات صحية، فالخسائر تحدث أثناء الإنتاج والنقل والتخزين.

ونُشر تقرير حكومي، في مارس الجاري، يؤكد أن من المشكلات التي تواجه المزارعين الآفات وعدم توافر أسمدة وزيادة ملوحة الأرض، وآثار التغيرات المناخية، وهي مشكلة تعمل الدولة أيضاً على مواجهتها حالياً بآليات متعددة.
خسائر في المحصول
حللت دراسة معهد البحوث الحقلية إنتاج محصول القمح في كل مراحل إنتاجه من الزراعة حتى البيع، في ثلاث محافظات؛ هي الدقهلية وقنا وبني سويف.
وأظهت النتائج أن حجم خسارة القمح في مرحلة الإنتاج بلغ 20.62%، وتحدث أعلى الخسائر عند الحصاد، وأثناء نمو المحاصيل في الحقل بنسبة 8.2%.
ويحصد المزارعون القمح بأربع طرق مختلفة؛ حصاد يدوي، أو بحصّادة الأرز والقمح، وحصّادة دون تجميع، وحصّادة تجميع المحصول.
في محافظة الدقهلية، بلغ الحد الأقصى للحصاد لعام 2016- 2017 نحو 7.43 طن، وسجلت حقول القمح التي حصدتها آلة حصاد الأرز أعلى خسارة للحبوب بمتوسط 1.15 طن (13.8%) من المحصول، ويليها الحصاد بواسطة آلات حصّادة "مع التجميع" بنسبة 10%، ثم آلات الحصاد دون تجميع بنسبة 9.4%.
أما بالنسبة إلى تخزين المحصول، فقُدِّر متوسط خسارة التخزين في البلاد بنحو 4.58٪ (أي 4.58٪ من الحبوب التي تُخزن ضائعة بسبب العفن والتلف الحشرات والقوارض والمطر وعوامل أخرى).
نشر تقرير لمنظمة الفاو عن الفقد في الطعام في مصر عام 2019، يقول إن نحو من 10 إلى 20% تمثل خسائر في القمح المخزن في الشون التقليدية.
كفاءة المزارع المصري أيضاً لها دور مهم في إهدار محصول القمح؛ فالدراسة تؤكد أن الحد الأقصى لمستوى الكفاءة للمزارعين المنتجين يبلغ 91.11٪؛ بمتوسط كفاءة وطني يبلغ 81.67٪، وإن أقل نسبة كفاءة للمزارع كانت 73.4%، وهذا يوضح أنه لا يزال هناك مجال لزيادة إنتاجية المنتج المصري النموذجي.
أما بالنسبة إلى الخسارة أثناء التسويق، وهي الخسارة أثناء البيع من قِبل المخابز ومحلات البقالة، فبلغت في عامَي 2016- 2017 و2017- 2018 نحو 3.63٪ و5.88٪ على التوالي؛ مما أدى إلى متوسط عامَين قدره 4.76٪.
تقول منظمة الفاو إن نحو ثلث الغذاء المنتج للاستهلاك الآدمي يتم هدره أو فقده، بخسارة مالية تقدر بنحو 1 تريليون دولار أمريكي، فإهدار الطعام أثناء الاستهلاك يسبب أزمة كبرى؛ خصوصاً في ظل ثقافة لا تهتم بأهمية القضية.
طريقة أخرى استندت إليها دراسة معهد البحوث الحقلية لقياس هدر القمح، وهي الهدر من الاستهلاك؛ سواء في المطاعم أو المنازل، فبلغت نسبة الفاقد 7.65%.
يُرجع الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، أسباب انخفاض هدر الخبز في المنازل إلى رفع جودة الخبز المقدم للجمهور؛ لأنه منذ سنوات كانت بعض الأسر تقدم الخبز علفاً للحيوانات، فضلاً عن استهداف الأسر الأكثر احتياجاً إلى الدعم.
وهناك مؤشر آخر لحجم خسارة القمح، وهو ما تُمثله هذه الخسارة من إجمالي القمح المستهلك في مصر، ووصل هذا الهدر إلى أكثر من 20%؛ إجمالي القمح المستهلك سنوياً.
تقول منظمة الفاو أن إهدار الطعام له تأثيرات ضارة على البيئة والاحتباس الحراري؛ نتيجة للتخلص من نفايات الطعام، ومن ثم الانبعاثات للغازات الدفيئة التي تؤدي إلى تغيرات مناخية خطيرة.
ماذا لو وفرنا ما نهدره من الطعام؟
تقول منظمة الفاو إننا يمكن أن نطعم 811 مليون شخص حول العالم من الطعام المهدور، وتشير دراسة معهد البحوث الحلقة إلى أننا يمكن أن نطعم 21 مليون مصري إذا قضينا على القمح المهدور في كل مراحلة.

ويُمكن أن تكون الحلول البديلة لتوفير هذا المهدور من القمح، هي استبدال تخزين الحبوب في الهواء الطلق المتسبب في خسارة كبيرة مع التخزين المحسن؛ مثل الصوامع ذات التهوية المناسبة وطرق مكافحة الآفات؛ مما يقطع شوطًا طويلاً في تقليل الفاقد في التخزين في مصر، فضلاً عن توعية المزارعين باستخدام آلات الحصاد مع التجميع ورفع كفاءة المزارع وفقاً لمركز البحوث الزراعية.
وتغيير عادات وسلوكيات الاستهلاك أثناء الأعياد والاحتفلات والعطلات والمناسبات في مصر عامل كبير في تقليل الفاقد من الطعام وفقاً لمنظمة الفاو.