هل يسهم رفع الفائدة في امتصاص موجة التضخم بمصر؟
قرارات استثنائية اتخذتها لجنة السياسات بالبنك المركزي برفع سعر الفائدة 1% لتصبح 9.25% على الإيداع و10.25% على الإقراض في جلسة عاجلة اتخذتها الاثنين الماضي بدلا من اجتماعها المقرر الخميس الموافق 24 مارس الجاري، وهو أول تحريك لسعر الفائدة منذ ديسمبر عام 2020.
لم يكن سعر الفائدة هو الوحيد بل صاحبه تحريك لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار ليسجل خلال اليومين الماضيين 18.50 جنيه تقريبا بجانب إصدار شهادة إدخارية بعائد سنوي 18%.
قرار استثنائي
وأثارت هذه القرارات تساؤلات بشأن مدى إسهامها في كبح موجة التضخم التي بدأ يعاني منها السوق المصرية تأثرا بموجة التضخم العالمية والتي زادت من وطأتها تداعيات الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور مصطفى بدرة، أستاذ التمويل والاستثمار والخبير الاقتصادي، أن موجة التضخم المتواجدة بالأسواق العالمية أثرت على مصر تأثيرا كبيرا وهو ما استوجب ضرورة التحرك لوضع آليات تساعد وتساند في التحكم والسيطرة على مؤشرات التضخم.
وأضاف الدكتور مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة لـ"المدار"، أن تحريك أسعار الفائدة في اجتماع استثنائي هو الأول في العام الحالي سيظل صعودا وهبوطا إلى أن يفي السوق بآلياته وتحدث معه عملية تشبع ليشهد بعدها حالة من الاستقرار مستشهدا بما حدث عام 2016، حيث وصل سعر صرف الجنيه أمام الدولار لأكثر من 19 جنيه ثم تراجع بعد ذلك.

امتصاص التضخم
وشدد بدرة على أن الآليات التي يقوم بها البنك المركزي تهدف بالأساس إلى محاصرة هذه الموجة التضخمية والتي نسبة كبيرة منها تقدر بنحو 50% آتية من الخارج أي "تضخم مستورد" والجزء الآخر من هذه الموجة يرجع إلى عملية استغلال وتضخيم في الأمور من جانب البعض والباقي يعود لآليات السوق العادية.
وفي نفس السياق، قال الدكتور حسام الغايش الخبير الاقتصادي لـ"المدار"، إن البنوك المركزية حول العالم بما فيها البنك المركزي المصري منذ أكثر من 6 أشهر كانت على أهبة الاستعداد للتدخل من أجل رفع أسعار الفائدة نتيجة موجة التضخم التي تعاني منها العديد من الدول وخاصة بعد انفتاح الأسواق عقب التعافي من أزمة كورونا.
وأشار الغايش إلى أن معدلات التضخم في مصر كانت منخفضة، ولكن الأزمة الروسية الأوكرانية أحدثت تأثيرا كبيرا على أسعار العديد من المنتجات الغذائية التي تصدرها روسيا وأوكرانيا إلى دول العالم والتي تعتمد عليها بشكل كبير ومنها مصر.
وأوضح الغايش أن التضخم المستورد وصل إلى مصر بسبب هذه الأزمة وهو ما حدث وترجم في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وبالتالي كان لا بد أن يتدخل البنك المركزي بشكل فوري من خلال رفع أسعار الفائدة للحد من الموجات التضخمية الناجمة عن هذه الأزمة المستفحلة والآخذة في التصاعد.
وتطرق الخبير الاقتصادي في حديثه إلى أن التدفقات النقدية التي تدخل مصر شهدت تراجعا ملحوظا وهذا ناتج من عدة أسباب منها تأثر قطاع السياحة بدرجة كبيرة بالحرب الروسية الأوكرانية ودخولها في مرحلة ركود نتيجة اعتماد الموسم الشتوي بصفة أساسية على السياح الوافدين من هاتين الدولتين المتناحريتين.

خطوة استباقية
وتابع الدكتور حسام الغايش قائلا: "إن الفترة الماضية شهدت ضغطا على التدفقات النقدية التي تخرج من البلاد لأنها أصبحت أعلى في هذه الفترة نتيجة ارتفاع الأسعار ونتيجة الموجة التضخمية حول العالم وكان ذلك سيؤثر بشكل كبير على الاحتياطات النقدية الأجنبية ، فكان لزاما التدخل لتحريك سعر الصرف تزامنا مع رفع سعر الفائدة".
وأوضح أن رفع سعر الفائدة مهم للغاية فيما يخص الحد من عمليات الدولرة والعمل لجذب سيولة كبيرة من العملة الأجنبية، مؤكدا أن هذا القرار كان الهدف منه السيطرة على جماح التضخم.
من جانبها أكدت عصمت ياسين خبيرة أسواق المال في تصريحات خاصة لـ"المدار" على أن مصر تعاني من موجة تضخم مستورد وهذه الموجة تعاني منها دول العالم منذ وباء كورونا، مضيفة أن الأسعار على مستوى العالم شهدت موجة ارتفاع كبيرة بشكل مبالغ فيه بسبب عدم كفاية الاحتياجات الأساسية لدى بعض الدول مما أدى لهذه الموجة التضخمية.
وأشارت خبيرة أسواق المال إلى أن ما قام به المركزي المصري يعد خطوة استباقية بهدف تحجيم التضخم على أرض الواقع وامتصاص السيولة، وذلك في ظل التوقعات بحدوث موجة تضخم قوية مع خفض سعر الجنيه أمام الدولار وارتفاع سعر جميع السلع المستوردة مع العلم أن الواردات تتأثر كثيرا بارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه.
وأوضحت أن سوق المال كان في حاجة لمثل هذه الحزمة من القرارات من أجل جذب مستثمرين جدد وعودة رؤوس الأموال التي خرحت في 2020 بسبب تداعيات وباء كورونا.
وأكدت خبيرة أسواق المال أن تحريك سعر صرف الجنيه أمام الدولار سيسهم في تشجيع المؤسسات وصناديق الاستثمار الأجنبية في الدخول في استثمارات غير مباشرة سواء في الأوراق المالية والأسهم والسندات أو أذون الخزانة لتحقيق أرباح والاستفادة من سعر الفائدة الكبير.

جذب استثمارات جديدة
وأردفت قائلة: "إن تخفيض قيمة الجنيه سيسهم بدرجة كبيرة في تشجيع الصادرات المصرية إلى الخارج مما يدر دخلا وعوائد من العملات الأجنبية ، كما ستسهم هذه الخطوة في جذب الاستثمارات في ظل الضمانات الكبيرة التي كفلها البنك المركزي المصري للمستثمرين بتحويل أموالهم بالدولار إلى الخارج في أي وقت أي هناك مظلة حماية تساعد في تشجيع الاستثمار".
وحول فوائد القرار أكد الدكتور حسام الغايش أن هذا القرار سيكون له تأثير إيجابي لأن الاستثمار الاجنبي يبحث دائما عن سعر الصرف الحقيقي للعملة وهو سعر الصرف الناتج عن قوى العرض والطلب ، وأن الارتفاع الذي حدث لسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية خلال اليومين الماضيين سيشهد استقرار خلال الأشهر القيلة القادمة من بداية حدوث استقرار في سعر الصرف وسيكون أقل من ذلك بكثير.
اجراءات حمائية
ولتخفيف تدبعات هذه القرار ، أكد الدكتور مصطفى بدرة أستاذ التمويل والاستثمار أن الاجراءات التي اتخذتها الدولة مثل زيادة المرتبات والمعاشات اعتبارا من راتب شهر أبريل المقبل بدلا من شهر يوليو وهي محفزات تهدف مواجهة الموجة التضخمية وهي اجراءات حمائية واجراءات تحمي المجتمع.
ولمواجهة هذه الموجة نصح الدكتور مصطفى بدرة المواطنين والأسر بأن تقوم بتدبير أمورها المالية وفقا لمصادر دخلها أو مستوى دخلها ، مشددا على أهمية التوفير والاقتصاد لمواجهة هذه الموجة التضخمية الآتية من الخارج وما تبعها من رفع للفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة والتي من المتوقع أن يقوم بمثل هذه الأمور في المستقبل خلال العام الحالي.
قوة الجنيه
وحول ذلك، أكد الدكتور حسام الغايش أن هناك عدة عوامل يمكن أن تسهم في تحسين وضع الجنيه المصري أمام العملات الأخرى منها زيادة الصادرات مما ينتج عنه زيادة في حجم التدفقات النقدية خاصة أن موسم السياحة تأثر كثيرا بالأحداث العالمية ومن غير المعروف متى ستنتهي هذه الأزمة ومتى ستعود التدفقات السياحية إلى مستوياتها مرة أخرى.
وأشار إلى أن تقليل الاستيراد أو يكون هناك تأثير خارجي بتقليل الأسعار أو تخفيض الأسعار سيسهم في تراجع موجة التضخم العالمية وهو ما سيؤثر بدوره بشكل كبير على حجم استيراد مصر من الخارج .
وتطرق الدكتور حسام غايش في حديثه إلى أهمية الاحتياطات النقدية لدى مصر ، مشيرا إلى أنه كلما كان هناك ضخ استثمارات أجنبية سواء كانت استثمارات غير مباشرة من خلال البورصة أو من خلال أدوات الدين أو استثمارات مباشرة من خلال عدد من المشروعات سيؤثر ذلك بشكل كبير على شكل الاحتياطات النقدية الموجودة في مصر وبالتالي على سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
من جهتها قالت عصمت ياسين خبيرة أسواق المال إن تحريك سعر الصرف وارتفاع العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري سيسهم في جعل السوق المصري جاذبا لعودة الاستثمارات سواء كانت الاستثمارات غير مباشرة الأوراق المالية أو في استثمارات مباشرة في المشروعات المتنوعة.
وفي النهاية شدد الدكتور حسام الغايش الخبير الاقتصادي على أن قرار المركزي المصري يمكن من خلاله التحكم في العرض النقدي او العروض النقدية سواء كان من العملة المحلية أو العملة الأجنبية بما يسهم في المحافظة على حجم الاحتياطي النقدي للبلاد.
