خاص| احتياطي القمح آمن ويكفي لنهاية العام.. هل تؤثر الحرب في أوكرانيا على مصر؟
يبدو أن اشتعال المواجهات العسكرية بين القوات الأوكرانية والروسية داخل أراضي أوكرانيا على كل الجبهات لن يتوقف مداها على الحيز الجغرافي فقط، بل امتدت نيرانها لتضرب وتشعل الأسعار العالمية وخاصة أسعار الطاقة والغذاء، وهو ما يقود إلى أزمة غذاء عالمية.
فأسعار النفط تجاوزت 100 دولار للبرميل صعودا وهبوطا في أعلى زيادة منذ 8 سنوات، كما سجلت أسعار الحبوب الغذائية زيادة كبيرة في البورصات العالمية حيث قفزت أسعار القمح لأعلى مستوى لها منذ عام 2012.
وفي خضم حالة الإرباك التي يشهدها الاقتصاد العالمي المنهك بالأساس من تداعيات وباء كورونا على مدى أكثر من عامين جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتزيد من متاعب هذا الاقتصاد.

قفزات في الأسعار
القفزات في الأسعار وخاصة الحبوب ومدى تأثيرها على الدول المستوردة من روسيا وأوكرانيا اللتين تمثلان نحو 30 % من صادرات الحبوب في العالم، أثارت مخاوف العديد من الدول خشية تعرض أمنها الغذائي للخطر ومنها مصر التي تُعد أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم.
في ظل هذه المخاوف توجهنا إلى مسؤولي وزارة التموين للوقوف على حقيقة الأمر ومدى تأثر مصر من تطورات الحرب الروسية - الأوكرانية.
وفي رسالة طمأنة لاحتياطي مصر من القمح، أكد الأستاذ عبد المنعم خليل مساعد وزير التموين لقطاع التجارة الداخلية، في تصريحات خاصة لـ"المدار"، أن العملية العسكرية في أوكرانيا لن تؤثر على مصر نظرا لوجود مخزون واحتياطي كبير من الأقماح، مؤكدا أن مصر تنوع مصادر الاستيراد ولا تعتمد على بلد أو اثنين ولكن هناك 14 دولة تستورد منها القمح، الأمر الذي يعطيها حرية الحركة والاختيار والمفاضلة بين بلد المنشأ من حيث الجودة والأسعار.
وأكد خليل على أن قيام الهيئة العامة للسلع التموينية بإلغاء مناقصة لاستيراد القمح من الخارج يؤكد على أن مصر ليست مضطرة لإتمامها ولو كانت في احتياج إليها لأخذتها بأي سعر، مشددا على أن مصر تقف على أرض صلبة وليست في وضع يدفعها إلى ذلك ولذا فهي تقبل وترفض وفقا لمصلحتها دون أن يكون هناك أي إجبار عليها.

مصر تقف على أرض صلبة
وأضاف مساعد وزير التموين لقطاع التجارة الداخلية أن الرسالة التي أرادت مصر إيصالها للعالم هي أن إلغاء المناقصة ليس بسبب ارتفاع الأسعار ولكن للتأكيد على أن مصر لديها مخزون استراتيجي آمن من القمح وتقف على أرض صلبة وهذا هو مضمون الرسالة التي تم إيصالها لكل الدول بإلغاء مناقصة توريد القمح إلى مصر.
ومصر واقفة على أرض ثابتة وترفض وتقبل ما تريده لأن المخزون الاستراتيجي لديها مطمئن فالصوامع بها مخزون يكفي لأكثر من 4 أشهر ومن المتوقع توريد نحو 4 ملايين طن قمح محلي اعتبارا من أبريل المقبل بما يرفع الاحتياطي الاستراتيجي لأكثر من 8 أشهر ، أي لنهاية عام 2022.
وأكد مرة أخرى مساعد وزير التموين لـ"المدار" على أن الوضع في مصر آمن حيث إن الاستهلاك الشهري يبلغ نحو 750 ألف طن أي أن الاحتياطي مع القمح المحلي الجديد يكفي البلاد لأكثر من 8 شهر ، ولذا فمصر ليست مضطرة لشراء القمح من الخارج تحت أي ضغوط.
ويرجع هذا الوضع الجيد الذي تعيشه مصر بفضل رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وضع نصب عينيه منذ توليه المسؤولية بضرورة رفع المخزون الاستراتيجي من السلع، حيث أمر منذ فترة بضخ مبالغ كبيرة ما يقرب من 50 مليار جنيه لزيادة المناطق اللوجستية والتوسع في المخازن وزيادة المخزون الاستراتيجي من لأكثر من 6 أشهر.
100 جنيه زيادة للأردب
كما ساهم تحديد سعر أردب القمح قبل الزراعة ورفعه لـ100 جنيه هذا العام ليصل إلى 820 جنيها ساهم في تشجيع المزارع على زراعة القمح، حيث كان هناك توجه للتوسع في زراعة القمح هذا العام بصورة أكبر وبالتالي الإنتاج سيكون أكبر من العام الماضي.
وفي نفس السياق، أشار الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية إلى أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وجه بزيادة عدد نقاط تجميع الأقماح، وتخفيف الإجراءات بالإضافة إلى التسهيل على صغار الفلاحين خلال عملية التوريد التي ستبدأ من أبريل المقبل، كما وجه بوضع قواعد خاصة بالنسبة للمساحات الصغيرة.
أضاف المصيلحي أنه تم عقد الاجتماع الثاني للجنة العليا للقمح والتنسيق مع وزارة الزراعة، مشيرا إلى أن مساحة الأراضي المنزرعة خلال العام الحالي بلغ 3.6 مليون فدان تنتج ما يتراوح من 9 إلى 10 ملايين طن قمح.
أوضح وزير التموين أن العام الحالي شهد زيادة المساحات المنزرعة في منطقة توشكى بنحو 250 ألف فدان ومن المتوقع زيادتها خلال العام المقبل لتبلغ 500 ألف فدان، ترتفع إلى مليون فدان في 2025، وهو ما سيعمل على توفير نحو مليار دولار من فاتورة استيراد القمح.

مشروع الصوامع الحديثة
وفيما يتعلق بمشروع الصوامع، أكد الدكتور إبراهيم عشماوي مساعد أول وزير التموين ورئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية أن مصر تنتج ما يقرب من 10 ملايين طن قمح محلي، ويتم استيراد ما يقرب من 12 مليون طن، وإجمالي الاستهلاك يصل لنحو 22 مليون طن قمح.
وأوضح عشماوي أن عملية تخزين القمح شهدت طفرة كبيرة من 2.1 مليون طن عام 2013 إلى نحو 4 ملايين طن في عام 2021، بجانب زياد السعة التخزينية التي أدت إلى توفير القمح خاصة ماشهدته عملية التخزين من جودة عالية بما ساهم في تقليل الفاقد في الأقماح من 15% إلى 3%".
وفي نفس السياق، أكد عبد المنعم خليل مساعد وزير التموين لقطاع التجارة الداخلية على أن الصوامع الحديثة ساهمت في توفير ما يقرب من 5 مليارات جنيه أي نحو مليون طن كانت تفقد في الشون الترابية على مستوى الجمهورية بسبب الفاقد الكبير لسوء التخزين حيث كانت الأقماح تخزن في هذه الشون المكشوفة وهو ما كان يزيد من نسبة الفاقد من المحصول، ولكن مع وجود الصوامع الحديثة تتم المحافظة على الجودة وعلى السعة التخزينية.
وحول الاحتياطيات من الأقماح، أكد الدكتور علي المصيلحي وزير التموين على أن الاحتياطي كان يكفي البلاد 18 يوما فقط عام 2017، ولذلك وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتخصيص1.8 مليار دولار لتوفير السلع الاستراتيجية بحيث تكون كافية مدة تتجاوز 6 أشهر.
وتابع وزير التموين أن مصر لديها اليوم 4 أشهر احتياطي استراتيجي من القمح 3.8 مليون طن، ونحو نصف مليون طن قمح محلي من الموسم الماضي بجانب القمح المحلي الجديد الذي سيتم توريده إلى صوامع الوزارة بدءا من أبريل المقبل.
وتتحمل الدولة مبالغ طائلة لتوفير الأقماح من أجل تأمين غذاء المصريين، حيث أكد الدكتور علي المصيلحي أن فاتورة القمح المحلي تبلغ نحو 18 مليار جنيه والمستورد 22 مليار جنيه تقريبا سنويا.
وأكد المصيلحي أن المشروع القومي للصوامع استطاع الحفاظ على الأقماح بصورة جيدة تتراوح من 12 إلى 18 شهرا، مشيرا الى أن السعات التخزينية تبلغ 3.4 مليون طن بخلاف صوامع المطاحن والموانئ ومخطط إنشاء 60 صومعة حقلية جاري العمل على إنشاء 8 صوامع وسيتم استلام 4 صوامع قريبا سعة كل واحدة 5 آلاف طن.

مخازن إستراتيجية
ويعد القمح المصري من أجود أنواع الأقماح على مستوى العالم، حيث يتم خلطه بنسب محددة من الأقماح التي يتم استيرادها من أجل توفير رغيف الخبز للمصريين بأسعار مدعمة في بطاقات التموين تصل إلى 5 قروش للرغيف، حيث يتم إنتاج أكثر من 8 مليارات رغيف خبز في الشهر.
سياسة التخزين التي تتبعها وزارة التموين أكد عليها أيضا مساعد الوزير لقطاع التجارة الداخلية بقوله إن مصر لديها احتياطيات كبيرة من السلع تصل لعامين وأخرى إلى 8 أشهر، مشددا على أن الحدود آمنة جدا وهناك وفرة في بعض السلع.
وسمح وجود وفرة الإنتاج في بعض المحاصيل كالفول والعدس في فتح باب التصدير في دليل على وجود كميات كافية وفائضة وزيادة من هذه المحاصيل، كما أن مصر لديها اكتفاء ذاتي من الأرز وأيضا السكر بعد أن كان يتم العجز بالاستيراد من الخارج.
وأضاف مساعد وزير التموين لـ "المدار" أنه تم إغلاق باب الاستيراد أمام بعض السلع والاعتماد على المنتج المحلي شريطة أن يكون بمواصفات أوروبية وطبقا للمواصفات القياسية مع الالتزام الجودة.
وأشار إلى أن هناك تشديدا للرقابة على السلع من حيث الجودة وخاصة السلع المستوردة واليوم لا يوجد نقص في أي سلعة في مصر.
وأرجع عبد المنعم خليل ذلك إلى قاعدة البيانات التي تم عملها بالتعاون مع وزارة الزراعة والجهات المعنية والتحول الرقمي والذي أدى بدوره إلى عدم وجود احتكار لأي سلعة، حيث تم عمل قاعدة بيانات لكل السلع تتضمن المخزون في كل الشركات وكميات الإنتاج وكل ذلك مدروس من خلال التعاون بين وزارات التموين والزراعة والتجارة والصناعة واتحاد الغرف التجارية، أي أن هناك تناغما وتعاونا بين كافة جهات الدولة في هذا الشأن.
توجيهات رئاسية
وتعمل الحكومة طول الوقت على تأمين مخزون من القمح يكفي احتياجات المواطنين لفترات طويلة تنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية بالتوسع في إنشاء العديد من الصوامع الحديثة ضمن المشروع القومي للصوامع.
وفي هذا الإطار، تأتي توجيهات الرئيس السيسي باستمرار بضرورة المحافظة على استمرارية المخزون الاستراتيجي للدولة من السلع الغذائية الرئيسية ومتابعة أسعارها السوقية، خاصةً المدرج منها على بطاقة التموين، والتي تتحمل الدولة الزيادات التي تمت عليها حتى الآن.
كما وجه في ذات السياق باستكمال المراحل التالية لمشروع الصوامع الاستراتيجية، لزيادة الحجم الاستيعابي والتخزيني لها بتوفير ٦ أشهر احتياطيا لكل السلع بدلا من ٣ أشهر، وذلك من أجل ضمان توفير السلع الغذائية وخاصة الاستراتيجية للمصريين، حيث تعد مصر من بين عدد قليل من الدول التي تمتلك احتياطيا كبيرا من السلع على مستوى العالم.
