بفضل الإصلاحات الاقتصادية.. أداء قوي للجنيه في 2021
في تأكيد على نجاح البرنامج الإصلاحي الذي تنفذه الحكومة ونجاح السياسة النقدية التي يطبقها البنك المركزي في إدارة هذا الملف باقتدار، شهد الجنيه حالة من الاستقرار في مواجهة العملات الأجنبية خلال عام 2021، رغم تقلبات سعر الصرف للعملات الأجنبية في معظم دول العالم بسبب التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا، الذي أرهق الاقتصاد العالمي وتسبب في خسائر فادحة قدرت بأكثر من 11 تريليون دولار على الأقل، فضلا عن تسببه في حالة ركود للاقتصادات الكبرى.
أداء متميز وقوي
الأداء الثابت للجنيه كان بفضل الدعم الكبير الذي تلقاه من قوة الاقتصاد والتزايد المستمر في الاحتياطي الدولي من النقد الأجنبي، حيث بلغ صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي لمصر بنهاية نوفمبر الماضي 40 مليارًا و909 ملايين دولار، مقابل 40 مليارا و849 مليون دولار بنهاية أكتوبر السابق، في مؤشر على تنامي الاحتياطيات الأجنبية لمصر منذ يونيو 2020.
واستقر متوسط سعر الدولار في أغلب البنوك عند 15.62 جنيه للشراء، و15.72 جنيه للبيع.
وتجسد الأداء القوي للجنيه في حفاظه على استقراره في مقابل الدولار للشهر الثالث على التوالي بمعظم البنوك العاملة في مصر، وعلى مدار شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، حيث اتسم سعر الدولار بالهدوء والاستقرار، فسجل متوسط سعره 15.64 جنيه للشراء، و15.74 جنيه للبيع.
هذا الأداء الجيد للجنيه أرجعه الخبراء إلى ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد، وهو ما أدى بدوره لاستقرار سوق النقد وسعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وتوقعوا استمرار استقراره خلال الفترة المقبلة.

مؤشرات إيجابية
وعلى نفس المنول، قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن استقرار الجنيه يرجع بدرجة أساسية للإصلاحات الاقتصادية التي اتخذها البنك المركزي وبدعم من القيادة السياسية والتي أدت إلى استقرار اقتصادي وسياسي، ما شجع على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى السوق المصرية.
قوة الجنيه المصري لاقت دعما كبيرا من ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، حيث سجل إجمالي التحويلات في 9 أشهر خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر 2021 نحو 24 مليار دولار، بزيادة قدرها نحو 1.9 مليار دولار وبمعدل 8.8% مقارنة بالفترة من عام 2020.
وفي مؤشر على الأداء الجيد، حقق الجنيه ثاني أفضل أداء مقارن بعملات الدول الناشئة المماثلة، وسجل أفضل عائد حقيقي للمستثمرين الأجانب في أوراق الدين العام ومهد استقرار سعر الصرف السبيل لنجاح البنك المركزي في تنفيذ سياساته النقدية لاستهداف التضخم والمحافظة عليه.
كما ساعد استقرار سعر الصرف على نجاح السياسة النقدية المرتبطة بأسعار الفائدة في شقها التيسيري المرن، وهو الأمر الذي شجع على زيادة الطلب على الائتمان المصرفي وأيضا مدخرات القطاع العائلي.
واستقرار سعر صرف الجنيه كان أحد عناصر القوة التي جعلت مؤسسات التقييم الدولية إلى تثبيت تقييم مصر الائتماني رغم ظروف جائحة كورونا، الأمر الذي ساعد على اللجوء إلى أسواق السندات الدولية.
تنوع مصادر الدخل
نجاح مصر في تسويق سنداتها بالأسواق الخارجية يبرهن على مدى الثقة الكبيرة في الملاءة الائتمانية المصرية، وفي قدرتها على الولوج إلى أسواق رأس المال الدولي، إذا ما احتاجت تمويلا بالنقد الأجنبي.
كما أن شهادة المؤسسات الدولية بتأكيد قدرة مصر على السداد أدى إلى حالة من الاطمئنان لصالح الجنيه وعزز من ثباته أمام العملات الأخرى.
وبحسب عدد من المصرفيين فهناك أسباب قوية تعمل على زيادة إيرادات مصر من العملة الأجنبية عام 2022، من أهمها زيادة تصدير الغاز الطبيعي للخارج من خلال فتح أسواق جديدة، بالإضافة إلى زيادة الحركة السياحة والتي شهدت إقبالا خلال عام 2021، وسط توقعات بزيادة الإقبال من جانب السياح الروس بعد رفع القيود المفروضة على الرحلات الجوية إلى منتجعي شرم الشيخ والغردقة من المدن الروسية التي استؤنفت فيها رحلات الطيران الدولي.
وكذلك زيادة تحويلات المصريين في الخارج والتي بلغت 31 مليار دولار تقريبا خلال عام 2021، جانب زيادة إيرادات حركة النقل وعبور السفن في الشريان الرئيسي لحركة النقل العالمية قناة السويس وهو ما يزيد من حصيلة ودخل القناة من العملات الاجنبية.
تعزيز الجنيه لقوته أمام الدولار كان مدفوع بعدة عوامل أبرزها زيادة المعروض الدولاري وتراجع الطلب عليه، والزيادة الكبيرة في موارد العملة الصعبة في الاقتصاد المصري، والتدفقات الدولارية التي تمثلت في ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج وزيادة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية وتعافي إيرادات قطاع السياحة وزيادة الصادرات وعائدات قناة السويس، إلى جانب تقدم وتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري بشكل ملحوظ على مدار الفترة الماضية.
كما تعد وفرة العملة الأمريكية في البنوك أحد أبرز العوامل الداعمة لقوة الجنيه.

تنامي الثقة في الاقتصاد
وتوجد عدة عوامل أخرى داعمة لقوة الجنيه خلال الفترة القادمة، منها إصدارات السندات الدولية لمصر بالخارج المقومة بالدولار واليورو البالغ متوسطها نحو 7 مليارات دولار سنويًا، إلى جانب 10 مليارات دولار أخرى من الاستثمارات الأجنبية المباشرة و3 مليارات دولار يتم توفيرها سنويًا من استيراد الغاز، والتي كانت تستخدم في استيراد الغاز سنويًا، ومع عمل حقول الغاز الجديدة سيتم توفير مبالغ أكبر من العملات الأجنبية.
ويؤكد الخبراء أن تنامي الثقة في الاقتصاد المصري ينعكس على سعر العملة الأمريكية بالانخفاض أمام الجنيه مستقبلا مع تدفق رؤوس الأموال في شرايين الفرص الاستثمارية التي تضعها مصر أمام العالم.
وتستورد مصر بما يعادل متوسط 5 مليارات دولار شهريا من السلع والمنتجات من الخارج بإجمالي سنوي يقدر بأكثر من 55 مليار دولار، وبالتالي فإن المتوسط الحالي للاحتياطي من النقد الأجنبي يغطى نحو 8 أشهر من الواردات السلعية لمصر، وهي أعلى من المتوسط العالمي البالغ نحو 3 أشهر من الواردات السلعية لمصر، وهو ما يؤمن احتياجات مصر من السلع الأساسية والاستراتيجية.
وأسهمت السياسات المتبعة في تقليل فاتورة الواردات المصرية من 85 مليار دولار إلى 60 مليار دولار، ما قلل الضغط على طلب الدولار.
كما حقق الجنيه أفضل أداء أمام الدولار خلال الفترة من 2017 وحتى يونيو 2021 ليرتفع 13.1% نتيجة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته الحكومة في 2016، ما أدى إلى صمود الجنيه خلال جائحة كورونا مقارنة بالعملات الأخرى.
فوجود احتياطي نقدي أجنبي قوي لدى البنك المركزي أدى إلى القدرة على توفير السيولة اللازمة لتمويل المشروعات الكبرى للدولة، وللقطاع الصناعي والزراعي والخدمي، ما يدعم الإنتاج المحلي بكل مجالاته وهو أكبر ضمان لخلق فرص عمل للمصريين.
ثمار الإصلاح
وساهم برنامج الإصلاح الاقتصادي في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي المحلي متمثلًا في تراجع عجز الموازنة العامة، ووضع الدين العام المحلي على مسار تنازلي، وبناء احتياطي قوي من النقد الأجنبي وخفض الضغط على العملة المحلية، وتعافي الاقتصاد الحقيقي، بالإضافة إلى تحقيق معدل التضخم المستهدف، وقد أدت هذه الإصلاحات إلى تحسين الظروف المالية الكلية ودعم استقرار النظام المالي.
ونجح برنامج الإصلاح الاقتصادي من خلال حزمة السياسات التي تضمنها متمثلة في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي المحلي وتصحيح الاختلالات الهيكلية الداخلية.

ترنح الليرة التركية
بالتزامن مع هذه النجاحات التي حققها الجنيه بفضل سلامة ونجاح السياسة النقدية والاستقرار السياسي الذي تنعم به مصر، تشهد عملات العديد من الدول تدهورا كبيرا، فعلى سبيل المثال، تعثرت الليرة التركية في 2021 بشكل كبير، والتي فقدت أكثر من نصف قيمتها بسبب السياسات الخاطئة والمتضاربة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتسببت تدخلات أردوغان بتغيير محافظ البنك المركزي التركي أكثر من مرة وإصراره على التدخل في تحديد أسعار الفائدة والسياسة النقدية إلى تآكل الاحتياطيات الأجنبية المستنزفة بالفعل في البنك المركزي التركي.
وهذا التراجع المتسارع في قيمة الليرة التركية انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية للموطنين الأتراك الذين تآكلت مدخراتهم بفعل التضخم الذي بلغ 20 في المئة حسب البيانات الرسمية.

استمرار المكاسب
لكن على مدار السنوات الخمس الماضية وتحديدا منذ قرار تحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من نوفمبر عام 2016 تم تحقيق العديد من المكاسب المتمثلة في تحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال وتنافسية التصدير وتنويع وتطوير أنماط الإنتاج المحلي وزيادة تدفقات النقد الأجنبي، الأمر الذي انعكس إيجاباً على ضبط منظومة أسعار صرف الجنيه، وتحسن أدائه ليتصدر أفضل العملات الناشئة أمام الدولار، فضلاً عن دعم قدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمات والتحولات الجذرية التي طرأت على الاقتصاد العالمي، ما جعله محل إشادة من قبل المؤسسات الدولية المعنية ومحط ثقة للمستثمرين.
وسياسة تحرير سعر الصرف آتت ثمارها وساهمت في ارتفاع مصادر النقد الأجنبي، حيث زادت صافي الاحتياطيات الدولية بنسبة 108.2%، حيث سجلت 40.8 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2021 مقارنة بـ 19.6 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2016.
وزادت تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 83.6%، مسجلة 31.4 مليار دولار في 2020-2021 مقارنة بـ 17.1 مليار دولار 2015-2016.
كما زادت إيرادات قناة السويس بنسبة 13.7% لتسجل 5.8 مليار دولار في 2020-2021 مقارنة بـ 5.1 مليار دولار وكذلك زادت قيمة الصادرات المصرية بنسبة 59.3% لتبلغ 34.4 مليار دولار في 2020-2021 بعدما سجلت 21.6 مليار دولار في خلال نفس الفترة.
وأيضا زادت الإيرادات السياحية بنسبة 28,9% لتسجل 4,9 مليار دولار 2020-2021 مقارنة بـ 3,8 مليار دولار في 2015-2016.
وفي شهادة ثقة من المؤسسات الدولية على نتائج سياسة تحرير سعر الصرف وانعكاساتها على تحسن مصادر النقد الأجنبي، توقع صندوق النقد الدولي أن تصل الإيرادات السياحية نحو 8 مليارات دولار عام 2021-2022، ونحو 15 مليار دولار عام 2022-2023، و20.8 مليار دولار عام 2023-2024، و25.1 مليار دولار عام 2024-2025.
وتوقع الصندوق أيضا أن تسجل إيرادات قناة السويس 6.6 مليار دولار عام 2021-2022 ونحو 6.9 مليار دولار عام 2022-2023، وتحقيق إيرادات متوقعة في 7.3 مليار دولار عام 2023-2024.
وساهم تحرير سعر الصرف في القضاء على أزمة نقص العملات الأجنبية، وفي إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي إلى أعلى مستوياتها، الأمر الذي ساعد على دخول مصر أزمة كورونا بمخزون وقائي كاف مكنها من الصمود أمام التداعيات السلبية للجائحة التي أكثر على أعتى الاقتصادات في العالم.
وارتباطا بذلك توقع عدد من الخبراء تحسن أداء الاقتصاد المصري خلال العام الجديد، نتيجة ظهور تأثير مبادرات دعم السيولة والسياسة النقدية فائقة التيسير، التي أتاحها البنك المركزي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا في العام الماضي والمستمرة حتى الآن.
سياسات نقدية
وفي هذا الإطار، أعلن البنك المركزي مد فترة سريان مبادرة دعم السياحة لمدة عام إضافي لتنتهي بنهاية شهر ديسمبر 2022 يتم خلالها قبول أي طلبات تأجيل لاستحقاقات البنوك لمدة حدها الأقصى 3 سنوات للشركات، وقروض التجزئة للعاملين بقطاع السياحة.
كما قرر البنك المركزي مد سريان بعض القرارات التي سبق اتخاذها لمواجهة الجائحة، لفترة جديدة مدتها 6 أشهر اعتبارا من الأول من يناير المقبل وحتى 30 يونيو 2022 .
ومن هذه القرارات إعفاء العملاء من كل المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات البنكية بالجنيه، وإصدار المحافظ الإلكترونية مجاناً، وإعفاء المواطنين من كل العمولات والرسوم الخاصة بعمليات التحويل والسحب النقدي على أن يتحمل البنك المصدر للبطاقة تلك الرسوم والعمولات.
وتأتي هذه القرارات في إطار حرص البنك المركزي على ضمان استمرارية قيام البنوك بأعمالها في ضوء المتابعة المستمرة للقطاع المصرفي ولتقديم المزيد من التيسير للمواطنين وتشجيعهم على الاستمرار في الإقبال على وسائل وقنوات الدفع الإلكترونية، بما يدعم توجه الدولة البنك المركزي للتحول لمجتمع أقل اعتمادًا على أوراق النقد.
ويؤكد البنك المركزي أنه سيواصل المتابعة عن كثب لكل التطورات على الساحتين العالمية والمحلية، للتدخل بشكل فوري باتخاذ التدابير المناسبة لحماية الاقتصاد القومي وتنشيط السوق والمحافظة على الاستقرار المصرفي والنقدي.
وفي ظل التوقعات باستمرار هذه العوامل الإيجابية للاقتصاد، فإن الجنيه سيظل محتفظا بعوامل دعم ربما تجعله مستقرا بين مدى سعري متوسطه 15.75 جنيه لكل دولار خلال الستة أشهر القادمة.
