احتفالية "الكباش".. حدث أسطوري وترويج عالمي لكنوز مصر
في حدث فريد واحتفال أسطوري هو الأبرز مع قرب نهاية عام 2021، شهدت مدينة الأقصر إعادة إحياء طريق المواكب الفرعونية بين معبدي الأقصر والكرنك المعروف بـ"طريق الكباش" والذي يعد أقدم طريق أثري في العالم.
وتابع العالم أجمع فعاليات الاحتفال المبهرة من خلال شاشات عشرات المحطات المحلية والدولية التي نقلت وقائع هذا الحدث الهام لتبرز عظمة وأمجاد الأجداد الفراعنة، وذلك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية والسيدة قرينته ولفيف من الشخصيات الدبلوماسية الدولية رفيعة المستوى والمسؤولين المصريين.
احتفال عالمي
وجسدت الاحتفالية بفقراتها المتنوعة والتي تمت ترجمتها لعدة لغات مدى عظمة وعراقة تاريخ مصر وهو الأمر الذي يسهم بصورة كبيرة في الترويج للسياحة المصرية بشكل عام ومحافظة الأقصر بشكل خاص وإبراز ما بها من مقومات سياحية وإعلانها متحفًا عالميا مفتوحًا.
وشهد حفل افتتاح طريق الكباش فقرات متنوعة منها عرض فني مستوحى من الاحتفالات الدينية لدى المصريين القدماء وبدأ العرض بأوركسترا الفيلهارموني بقيادة المايسترو نادر عباسي وعزف الموسيقى الفرعونية 400 عازف وعازفة، ثم أنشودة آمون والتي يعاد إحياؤها بنفس الكلمات الفرعونية.
كما أضفت الإضاءات البانورامية في معابد البر الغربي وحتشبسوت بجانب العروض الفنية التي واكبت حركة المراكب المقدسة في النيل مزيدا من الإبهار والإمتاع على هذا الحفل العالمي.

نشاط سياحي
صدى هذا الحدث العالمي كان جليا على عدد من السياح الذين شاهدوه، حيث عبروا عن سعادتهم واستمتاعهم بزيارة مصر وخاصة مدينة الأقصر للاستمتاع بجوها الدافئ المشمس وبالمناظر الطبيعية الخلابة، بالإضافة إلى التعرف على الحضارة المصرية العريقة ومشاهدة الآثار المصرية المتنوعة والمتميزة.
كما أشادوا بالإجراءات الاحترازية التي يتم تطبيقها في الفنادق التي يقيمون بها وفي كافة المواقع الأثرية والمتاحف التي قاموا بزيارتها والتي ساهمت في شعورهم بالطمأنية والأمان خلال هذه الزيارة، مؤكدين على أن المقصد السياحي المصري يعد من أجمل وآمن المقاصد السياحية في العالم.
من جانبه، أكد الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار أن مصر ترحب بالسائحين من كافة دول العالم وعلى جاهزية المقصد السياحي المصري لاستقبال السائحين خاصة في ظل الإجراءات الاحترازية التي يتم تطبيقها بكل دقة وصرامة لضمان صحة وسلامة المواطنين والسائحين والعاملين بالقطاع السياحي.
وتوقع خبراء الآثار أن تشهد الأقصر طفرة سياحية بعد افتتاح طريق الكباش الأثري الذي يعد جزءا من تاريخ الإنسانية وسينعش السياحة المصرية بشكل كبير.
وأكدوا أن افتتاح هذا الطريق أمام الجمهور للمرة الأولى هو ثمرة سنوات من العمل الشاق الذي شارك فيه عدد كبير من الأثريين والمرممين وعمال الحفائر ليبرهن على عظمة المصريين وتفانيهم في الكشف عن تراث أجدادهم، ولذلك وصف الدكتور زاهي حواس عالم المصريات الحدث بأنه أهم مشروع أثري في القرن الحادي والعشرين.

الأقصر متحف عالمي مفتوح
ويعد طريق الكباش الفرعوني مشروعا ضخما وانطلاقة جديدة لمدينة الأقصر يسهم فى إعادتها لخريطة السياحة العالمية لكونه يتضمن مناطق صناعية لمصر القديمة ومعاصر النبيذ ومقاييس النيل وغيرها من المناطق التي كانت مستخدمة في صناعة الفخار والأواني والحلي ويوضح النشاط الاقتصادي والاجتماعي لمصر القديمة.
وتكمن أهمية طريق الكباش بعد إعادة إحيائه لقطاع السياحة في أنه أحد المشاريع الضخمة التي ستحمي تاريخ مصر التراثي من الاندثار.
ويمثل هذا المشروع نقلة أثرية وكذلك حضارية ضخمة ستثري من قطاع السياحة في مصر خلال الفترات القادمة، ومن الممكن أن يستغل هذا الطريق في تنفيذ عدد من المشروعات السياحية الكبيرة على جانبيه بما يثري السياحة وينشط السياحة في مدينة الأقصر بشكل كبير.
وتستهدف الدولة من الاحتفال إعادة إحياء الحضارة المصرية العظيمة بشكل يليق بمصر ما يساهم في الترويج السياحي لها كمقصد هو الأفضل عالميا في السياحة الثقافية والأثرية.
مكاسب السياحة المصرية
ولأهمية هذا الحدث المبهر، أكد المستشار أحمد سعد الدين وكيل أول مجلس النواب أن هذا الاحتفال سوف يحقق مكاسب متعددة ومزايا كثيرة للدولة المصرية منها الترويج للآثار والسياحة المصرية عالمياً حتى تسترد مصر مكانتها المرموقة على خريطة السياحة العالمية.
وتابع سعد الدين قائلا: "إنه إذا كان المصريون القدماء قد أبهروا العالم بما شيدوه من حضارة وآثار متعددة وقف أمامها كبار المهندسين والمفكرين عاجزين عن فك شفرة تصميمها، فإن أحفاد المصريين بقيادة الزعيم البطل الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أبهروا العالم كله أيضاً بما حققته مصر من انجازات ومشروعات قومية عملاقة امتدت في جميع أنحاء البلاد".
وفي الإطار نفسه، قال محمد عثمان رئيس لجنة تسويق الأقصر السياحية إن احتفالية افتتاح طريق الكباش ستسهم في إعادة الحياة لشوارع الأقصر التي عانت توقف الحركة السياحية خلال فترة جائحة كورونا، مؤكدا أن حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الحدث العالمي يعد بمثابة رسالة تؤكد مدى اهتمام الدولة بالسياحة الثقافية وإعادة إحياء التراث والحضارة المصرية مثلما حدث بموكب المومياوات بالقاهرة والذي تلاه توافد أعداد غفيرة إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط.
وتهدف الاحتفالية إلى توجيه رسالة تؤكد أن مصر مقصد سياحي آمن وتؤكد قدرة المصريين على تنظيم احتفالات ضخمة بهذا الشكل تثبت قدرتهم على استقبال أي عدد من السياح من أي جنسية من مختلف دول العالم.
ويعد هذا الحدث فريد من نوعه ولم تشهده مصر من قبل، لأنه ينقل للعالم كله كيف كان يحتفل أجداد المصريين الفراعنة منذ أكثر من 3 آلاف سنة في مشهد جمالي يوضح عظمة مصر وتاريخها وحضارتها العريقة.

ترويج دولي
حضور العديد من سفراء الدول الأجنبية والعربية ووسائل الإعلام الأجنبية ووكالات الأنباء إضافة إلى آلاف السياح للحفل ، يعد ترويجا كبيرا للسياحة المصرية والآثار الفرعونية ليرى العالم ما تملكه مصر الفرعونية من كنوز خاصة أن الأقصر تضم ما يقرب من ثلث آثار العالم، حيث تحتوي على مقومات سياحية وآثار لا يضاهيها أي مكان أخر بالعالم.
وبحسب العديد من خبراء السياحة يؤكد هذا الحفل الأسطوري ويبرهن على أن مصر استطاعت التغلب على جائحة كورونا وعادت فيها الحياة لطبيعتها ويؤكد للعالم كله أن مصر بلد الأمن والأمان والاستقرار والحضارة.
وقال الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، أن افتتاح طريق الكباش يعد دعاية مباشرة وغير مباشرة للسياحة في مصر وسيكون له دور كبير في أحداث ترويج سياحي عالمي وسيفتح الباب لزيارة السياح لأسوان أو شرم الشيخ أو الغردقة أو الوادي الجديد وبالتالي تلك الخطوة ستفتح الباب أمام زيادة السياحة في أماكن أخرى.
من جانبه، أضاف الدكتور حسين عبد البصير عالم المصريات، أن هذا الحدث سيكون له مردود سياحي عالمي، خاصة أننا في بداية الموسم الشتوي بمحافظة الأقصر التي تعد وجهة سياحية بالطبع، فهذا الحدث هو بمثابة دعاية جيدة للآثار المصرية ككل تمت من خلال جميع القنوات العالمية التي بثت الحدث وعرضته عبر شبكاتها الإعلامية.

طريق الكباش
ويمثل "طريق الكباش" الذي يزيد عمره على 3500 عاما ممرا تاريخيا يربط بين اثنين من أهم وأشهر المعالم السياحية في مدينة الأقصر وهما مناطق معابد الكرنك ومعبد الأقصر.
ويصل طول هذا الطريق الأثري 2700 متر ويوجد على جانبيه نحو 1200 تمثال لأبي الهول ولكن برأس كبش ويتراوح وزن الواحد منهم ما بين 5 و7 أطنان، وطوله يصل إلى 3 أمتار و70 سم، وعرضه متر وربع.
ويعرف طريق الكباش بأنه طريق مواكب الآلهة ويعود لعصر الأسرة الثامنة عشرة من الدولة المصرية القديمة في عهد الملكة حتشبسوت للاحتفال بموسم الفيضان، فيما عرف بعيد الأوبت قبل أن يندثر الطريق تحت الأرض بمرور القرون وتعاقب الأزمنة
ويرمز الكبش للإله آمون إله معبد الكرنك، أما التماثيل التي تتخذ شكل إنسان بجسم أسد فترمز للإله أبي الهول وينقسم هذا الطريق إلى 3 أجزاء رئيسية، الأول منها يبدأ من الصرح العاشر لمعبد الكرنك ويتجه جنوبًا لمسافة 300 متر حتى بوابة معبد موت، وأنشئ في عصر الملك توت عنخ آمون، ويعتبر أقدم أجزاء الطريق الظاهرة حتى الآن.
وهذا الجزء من الطريق تتراص على جانبيه تماثيل بشكل أبو الهول بجسم أسد ورأس كبش، وهى تماثيل ضخمة جالسة على قواعد ذات نقوش، وتحتضن تمثال رمسيس الثاني "رمز الحماية".
أما الجزء الثاني فهو يتضمن تماثيل الكباش الموجودة أمام معبد خنسو أحد معابد الكرنك، وتأخذ شكل الكبش الكامل وتعود لعصر أمنحتب الثالث الذي بدأ تشييد معبد الأقصر.
وموقع التماثيل الحالي لم يكن مكانها الأصلي، حيث أقيمت في أحد المعابد الجنائزية بالبر الغربي في طيبة، وتم إحضارها لهذا المكان في عهد الملك حريحور أحد ملوك الأسرة 21.
اما الجزء الثالث فهو طريق الكباش الممتد من معبد نوت أولا باتجاه الغرب أو باتجاه النيل لمسافة 200 متر ثم ينحرف جنوبًا في اتجاه واحد بطول 2000 متر حتى يصل إلى معبد الأقصر.
وهذا الجزء بناه الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين الفرعونية آخر أسرات عصر الفراعنة، والتماثيل الموجودة فيه أصغر حجمًا من السابقين ويأخذ شكل جسم أسد ورأس أدمي يحمل ملامح الملك نختنبو الأول.
ومظاهر الاحتفال بهذه المناسبة الفرعونية المقدسة كانت تستمر فترة تتراوح بين 11 إلى 27 يوما وتتضمن مراسم شعبية ومراسم رسمية تتمثل في موكب مهيب ينطلق من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر بمشاركة الإله آمون والإله خونسو والإله موت.
وتوثق جدران معبد الأقصر مظاهر هذا الاحتفال بالتفصيل من حاملي المراكب المقدسة والعازفين والأضاحي التي كانت تذبح في هذه المناسبة.
وتم الكشف عن الطريق التاريخي لملوك الفراعنة منذ أكثر من 72 عاما واستمرت أعمال الحفائر خلال الفترة الماضية بعد فترة توقف فى عام 2011 وعادت أعمال الحفائر والتطوير الخاصة بالطريق في عام 2017، نظرا لكونه أحد العناصر المهمة لموقع طيبة على قائمة التراث العالمى التابعة لمنظمة اليونسكو ما سيجعل من مدينة الأقصر متحفا عالميا مفتوحا.

آمال الانتعاش
وتستهدف مصر إنعاش قطاع السياحة الذي ما كاد يشهد تعافيا بعد سنوات من الركود حتى تراجعت أرباحه في ظل وباء كورونا الذي ضرب حركة السفر والتنقل حول العالم في مقتل وفرض على معظم إن لم يكن كل دول العالم إغلاقا كاملا.
وكانت مصر أقامت في أبريل الماضي حفلا مهيبا نقلت فيه مومياوات 22 شخصية ملكية مصرية قديمة من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية.
وتعتبر السياحة من أهم مصادر الدخل، وقد وصلت الإيرادات من السياحة في النصف الأول من عام 2021 نحو أربعة مليارات دولار، وقد استقبلت مصر خلال هذه الفترة نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون سائح وسط توقعات بزيادة أعداد السياح الوافدين إلى المقاصد المصرية مع مطلع العام الجديد 2022.
