حرب الاحتياطيات تنزل بأسعار النفط.. و"أوبك+" تتمسك بحصص الإنتاج

النفط
النفط



في مسعى للتخفيف من ارتفاع أسعار النفط بالأسواق، يأتي قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإفراج عن 50 مليون برميل من مخزون الولايات المتحدة النفطي الاستراتيجي بالتنسيق مع الدول الكبرى الأخرى المستهلكة للخام؛ في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية والضغط على الدول النفطية الأعضاء في تحالف "أوبك+" لزيادة إنتاجها.

وفي هذا الإطار، أشارت وكالة "بلومبرغ" للأنباء، إلى أن الخطوة التي ستشارك فيها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية تعد تحركاً غير مسبوق من الدول الكبرى المستهلكة للنفط؛ لتهدئة الأسعار، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى رد فعل عنيف من قِبل تحالف "أوبك+".

السحب من المخزون الاستراتيجي

ووفقاً للخطوة الأمريكية سيتم سحب 32 مليون برميل على مدار الشهور المقبلة من المخزونات الاستراتيجية، بالإضافة إلى الإسراع بتنفيذ خطة تم اعتمادها في وقت سابق للإفراج عن 18 مليون برميل أخرى، ليصل إجمالي السحب من الاحتياطي إلى 50 مليون برميل.

وجاء القرار الأمريكي في إطار خطة توصلت إليها واشنطن مع مستهلكي الطاقة الآسيويين الرئيسيين لخفض أسعار الطاقة وتحقيق توازن بين العرض والطلب؛ حيث يرى البيت الأبيض أن أسعار النفط مرتفعة وتؤثر على النمو الاقتصادي.

وعقب إعلان البيت الأبيض عن قرار الإفراج عن جزء من مخزون النفط، هبط خام غرب تكساس الأمريكي 1.38 دولار أو بنسبة 1.8 في المئة إلى 75.37 دولار للبرميل.

وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، مستعد لاتخاذ خطوات أخرى في ما يتعلق بأسعار النفط إن لزم الأمر.

وتعد هذه الخطوة جزءاً من جهود يقودها الرئيس الأمريكي جو بايدن، للإفراج المنسق عن المخزونات، والتي يُنظر إليها على أنها تحذير لمنظمة "أوبك" وحلفائها "أوبك+"، لضخ المزيد من النفط لمواجهة التضخم المتزايد في الاقتصادات الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة والصين وغيرهما.

وعلى خطى الولايات المتحدة، أعلنت الهند أنها ستفرج عن 5 ملايين برميل من احتياطياتها الاستراتيجية بالتنسيق مع الدول المستهلكة في خطوة تهدف إلى خفض الأسعار، وذلك على الرغم من خطر تعثر الطلب بسبب عودة انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا بشكل ملحوظ في عدد من الدول الأوروبية.

النفط

تهدئة الأسعار

اليابان صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم لم تكن بعيدة من هذه التحركات الهادفة لضبط أسعار النفط، فقد أعلنت الحكومة اليابانية على لسان رئيسها فوميو كيشيدا، أنها تدرس سحب كميات من الاحتياطي الاستراتيجي النفطي لديها؛ تمهيداً لبيعها، من أجل مواجهة ارتفاع أسعار الخام في الأسواق العالمية.

وأعلنت الصين اعتزامها عرض ملايين البراميل من النفط من احتياطياتها الاستراتيجية للبيع في خطوة غير مسبوقة؛ لمحاولة تهدئة التضخم الناتج عن ارتفاع أسعاركل السلع في البلاد بدءاً من الغذاء إلى الوقود.

ويرى خبراء أن إفراج بكين عن الاحتياطيات قد يؤثر على استهلاك الصين أحد أكبر مستوردي الخام في العالم، حيث يعتمد الطلب الإجمالي للدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على النفط الأجنبي وعلى نظام المصافي الذي تلقى صفعة من التدقيق الحكومي المتزايد والذي شمل تطبيق تعريفات وفرض رسوم؛ ما أدى إلى تآكل الربحية.

وفي أوروبا، أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستسمح بسحب طوعي من احتياطيات النفط لدى القطاع الخاص بما يعادل 1.5 مليون برميل من النفط؛ استجابةً لمسعى سحب عالمي من الاحتياطيات النفطية تقوده الولايات المتحدة.

وأشارت الحكومة البريطانية إلى أن هذا الإجراء لا يؤثر على احتياطيات النفط للمملكة المتحدة الآمنة والمرتفعة بشكل كبير عن مستوى التسعين يوماً الذي تطلبه وكالة الطاقة الدولية.

موقف "أوبك+"

وجاء قرار واشنطن سحب جزء من الاحتياطي الاستراتيجي بعدما عجزت الحكومة الأمريكية عن إقناع تحالف "أوبك+"، بضخ المزيد من النفط؛ إذ يجادل كبار المنتجين بأنه لا يوجد نقص في المعروض العالمي من الخام.

وفي مقابل التحركات الأمريكية، قال الكرملين إن روسيا لا تزال ملتزمة بالوفاء بتعهداتها في "أوبك+"، وإن الرئيس فلاديمير بوتين، ليس لديه خطط للاتصال بشركاء بلاده في هذه المجموعة على الرغم من الاتجاه الفعلي لدول مستهلكة رئيسية إلى احتياطياتها النفطية الاستراتيجية.

وحسب عدد من المحللين، فقد حافظ تحالف "أوبك+" الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا ومنتجين آخرين على قيود لم يسبق لها مثيل على الإنتاج، حتى مع انتعاش الأسعار من تراجعها الشديد خلال المراحل الأولى لجائحة فيروس كورونا..

وكانت أسعار الفط وصلت إلى أعلى مستوياتها في 7 سنوات الشهر الماضي، مع تركيز السوق على الارتفاع السريع في الطلب الذي تزامن مع رفع الإغلاق، وتعافي الاقتصادات من تداعيات وباء كورونا في مواجهة زيادة بطيئة في الإمدادات من أعضاء تجمع "أوبك+".

في المقابل، قالت مصادر في تحالف "أوبك+" إن الدول الأعضاء قد تعدل خططها الإنتاجية بما يسمح بزيادة الإنتاج بأكثر من 400 ألف برميل يومياً خلال الشهر المقبل إذا مضت الدول المستهلكة للنفط في استخدام احتياطياتها الاستراتيجية من النفط للحد من أسعار الخام، أو إذا ثبطت جائحة كورونا الطلب.

وحسب المصادر فإن بعض دول "أوبك+" غير راضية عن لجوء الدول المستهلكة إلى الاحتياطيات الاستراتيجية المفترض استخدامها في حالات الطوارئ لخفض الأسعار في الأسواق العالمية.

وارتباطاً بذلك، قال محللون إن الجهود المضنية التي تبذل في أوروبا؛ لا سيما أوروبا الشرقية لوقف انتشار وباء كورونا وسط مخاوف من اللجوء إلى إجراءات الإغلاق، من المتوقع أن تلقي بظلالها السلبية على أسعار النفط والنشاط الاقتصادي.

ومن المتوقع أن ينخفض ​​الطلب على وقود المركبات على الطرق والطائرات في أوروبا إلى 7.8 مليون برميل يومياً، من 8.1 مليون برميل يومياً في أكتوبر، رغم أن جزءاً من ذلك يعد انخفاضاً عادياً في هذا الوقت من العام.

أوبك +

الاحتياطي الأمريكي

وبدأت الولايات المتحدة تكوين الاحتياطي النفطي الاستراتيجي عام 1975، ولجأ بعض الرؤساء إلى السحب من الاحتياطي لتهدئة أسواق النفط خلال أوقات الحرب أو عند حدوث أعاصير تسببت في تعطل البنية التحتية النفطية على امتداد الساحل الأمريكي على خليج المكسيك.

ولم تقدم الولايات المتحدة على السحب من احتياطاتها من قبل سوى في أعوام 1991 و2005 و2011.

ويبلغ حجم الاحتياطي الاستراتيجي نحو 606 ملايين برميل مخزنة على سواحل لويزيانا وتكساس، وتكفي هذه الكمية لسد الطلب الأمريكي لفترة تزيد على الشهر.

وتأتي هذه الخطوة في ظل مطالبات عدة من البيت الأبيض لكبار منتجي النفط في العالم لزيادة الإنتاج للحد من الارتفاع الكبير في الأسعار.

لكن دول تحالف "أوبك+" رفضت أكثر من مرة رفع إنتاجها من النفط، مما دفع الرئيس الأمريكي جون بايدن، بالتهديد بأن بلاده تمتلك الأدوات للرد على عدم زيادة الإنتاج لتهدئة الأسعار بالأسواق.

وكانت "أوبك+" خفضت العام الماضي الإنتاج بمقدار قياسي بلغ 10 ملايين برميل يومياً وسط تراجع الطلب الناجم عن وباء كورونا وانهيار الأسعار، وأعادت تدريجيًا الإنتاج لتتركها عند انخفاض بنحو 5.8 مليون برميل يوميًا.

مدى تأثر السوق

ونقلت مصادر عن تحالف "أوبك+" إن الإفراج عن الاحتياطات الاستراتيجية من النفط في الولايات المتحدة وكبار المستهلكين، قد يعقد حسابات المجموعة لأنها تراقب السوق على أساس شهري، ويعقّد من عملية زيادة المعروض لضبط الأسعار.

وفي ظل التراشق بين الولايات المتحدة وتحالف "أوبك+"، قال خبراء في مجال الطاقة إن إقدام الرئيس بايدن على هذه الخطوة هدفه اقتصادي داخلي؛ وهومعاناة المواطن الأمريكي من ارتفاع أسعار البنزين وغيرها من السلع، ما دفعه إلى هذا الإجراء في خطوة يحاول من خلالها إرضاء الناخب الأمريكي.

وأكد البعض أن ارتفاع الأسعار لم يكن مستغرباً رغم إعلان واشنطن الإفراج عن جزء من مخزونها من النفط، لأن السحب من الاحتياطي سيكون بواقع 32 مليون برميل وهو مجرد إقراض أو دين للشركات وعليها أن تعيده خلال 6 أشهر؛ وهذا يعني أنها ستشتري من السوق.

وهذا الطلب سيكون بمثابة طلب إضافي وربما تكون هناك في المستقبل ندرة في الإمدادات، مما يشير إلى التأثير الضعيف للقرار في مسألة تهدئة الأسعار.

وفي السياق نفسه، أكد خبراء في مجال الطاقة أن خطوة السحب من الاحتياطيات تعد خطوة غير مستدامة على المدى البعيد، وسيكون من الصعب الاعتماد عليها في بناء مخزونات نفطية في مراحل لاحقة وبأسعار تنافسية.

يأتي ذلك في وقت أشارت فيه "أوبك+" إلى أن السحب من الاحتياطيات الاستراتيجية غير مبرر؛ نظراً لوضع السوق الحالية، وحذرت من إعادة النظر بقرار زيادة الإمدادات بـ400 ألف برميل يومياً، بشكل شهري، حسب اتفاقها السابق، إذا تم السحب من الاحتياطيات، خلال اجتماعها المقبل الذي سيكون في الثاني من ديسمبر المقبل.

وتأتي هذه التحركات في أسواق النفط، في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من تداعيات الموجة الأخيرة لفيروس كورونا في أمريكا وأوروبا، والتي تهدد الطلب العالمي على موارد الطاقة؛ ومنها النفط الخام.

النفط







أضف تعليقك