الصين ترعب العالم بتخزين السلع.. لماذا ارتفعت الأسعار عالمياً؟

أسعار السلع
أسعار السلع



مع بدء التعافي التدريجي من تداعيات وباء كورونا الذي أنهك الاقتصاد العالمي وتسبب في خسائر قدرت بعشرات التريليونات من الدولارات، دخل العالم في أزمة أزمة أشد وطأة ألا وهي الارتفاع القياسي في أسعار السلع وتسجيل معدلات تضخم كبيرة ما يزيد من مخاوف خروج التضخم عن السيطرة.

وتتزامن هذه المخاوف مع تسجيل أسعار الطاقة والغاز ارتفاعات هائلة مع زيادة الطلب على السلع.

أسباب الارتفاع

واتفق خبراء الاقتصاد على أن موجة ارتفاع الأسعار التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، والتي من المتوقع استمرار تصاعدها الفترة المقبلة، لها عدة أسباب على رأسها تداعيات جائحة كورونا، بالإضافة إلى أزمة الطاقة التي تعاني منها الصين، أكبر منتج للسلع في العالم. وكما أن التغيرات المناخية أثرت بدرجة كبيرة على المنتجات الزراعية مما تسبب في رفع الأسعار.

وأكدوا أن أزمة كورونا ألقت بظلالها على كل الأسواق والشركات الكبرى، وتركت آثاراً على سلاسل الإمداد والتوريد، وعلى قدرات الأسواق في التوازن بين العرض والطلب نتيجة توقف عجلة التشغيل والإنتاج على مدار 20 شهراً بسبب الجائحة.

ومع بداية التعافي حدث ارتفاع كبير للطلب وعمليات الشحن فارتفعت أسعار الوقود والطاقة وجرى تحميل التكاليف على الإنتاج.

كما أدى الخلل في سلاسل التوريد والإمداد في ارتفاعات كبيرة سواء في الطاقة أو السلع الأخرى، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وسجلت ارتفاعات قياسية تجاوزت 500%، كما ارتفعت أسعار النفط لنحو 85 دولاراً للبرميل، وهو ما أدى لارتفاع السلع بنسبة 15 إلى 30% في بعض الدول.

ركود تضخمي

ويتوقع عدد من خبراء الاقتصاد ارتفاع نسب التضخم لمستويات قياسية قد تصل بالعالم إلى ما يسمى الركود التضخمي وهو الخطر الأكبر الذي يهدد كل الدول.

والرُّكود التضخمي هي حالة نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية، أي ركود اقتصادي، يرافقه تضخم وتحدث هذه الحالة عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد ولكن يكون هناك ارتفاع في الأسعار.

وأدت زيادة الطلب على السلع والمنتجات بعد إغلاق العديد من الدول خلال أزمة كورونا- إلى نقص شديد للمخزونات؛ مما أدى إلى زيادة الأسعار لارتفاع قيمة الشحن لأسعار غير مسبوقة.

كما أدى الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج؛ وهو ما أدى لزيادة أسعار السلع نتيجة ارتفاع التكلفة الكبيرة ونقص في سلاسل الإمداد وتعثر عمليات الشحن الدولية والتي طالت أسواق أوروبا وأمريكا.

توجهات الصين

في خطوة قد تؤجج من الأسعار عالمياً بحسب عدد من المحللين، طلبت الحكومة الصينية ثاني أكبر اقتصاد في العالم وصاحبة المليار ونصف المليار نسمة من مواطنيها الاحتفاظ بمخزون من الاحتياجات اليومية الأساسية تحسباً لحالة الطوارئ.

ولم يحدّد هذا الطلب الذي نشرته وزارة التجارة الصينية سبب هذه الدعوة أو ما إذا كانت البلاد مهددة بحدوث حالة نقص في الغذاء.

ودعت أيضاً الوزارة مختلف السلطات المحلية إلى تسهيل الإنتاج الزراعي وتدفقه والإمداد ومراقبة مخزون اللحوم والخضراوات والحفاظ على استقرار الأسعار.

ويأتي ذلك بعدما أدى تفشي وباء كورونا والأمطار الشديدة غير المعتادة إلى ارتفاع فى أسعار الخضراوات بشكل أثار مخاوف بشأن نقص الإمدادات.

وأثار هذا التوجيه الصادر من وزارة التجارة الصينية بعض المخاوف في ظل امتداد تفشي إصابات كورونا في الشمال الغربي إلى الشمال الشرقي للبلاد بما يهدد بتعطيل إمدادات الغذاء.

2222222222222

تحذيرات دولية

وفي خضم هذه الأزمة رصد تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي بشأن التضخم السنوي في الاقتصادات المتقدمة، متوقعاً وصوله إلى الذروة عند متوسط 3.6% في الشهور الأخيرة من عام  2021 قبل أن يرتد إلى معدل 2% في النصف الأول من عام 2022.

وأوضح الصندوق أن الأسواق الصاعدة ستشهد ارتفاعات أسرع في معدلات التضخم حتى تصل إلى متوسط 6.8% ثم يتراجع هذا المتوسط إلى 4%.

وقفزت أسعار الغذاء حول العالم بما يقارب 40% أثناء جائحة كورونا وهو تحدٍّ قاسٍ للبلدان منخفضة الدخل؛ حيث تمثل هذه المشتريات نسبة كبيرة من إنفاقها الاستهلاكي.

وبحسب تقارير صندوق النقد فقد تسبب فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية على لحوم الخنازير وفول الصويا في الولايات المتحدة خلال النزاع التجاري بين واشنطن وبكين منذ عام 2018 إلى حدوث تضخم في أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية قبل انتشار وباء كورونا.

كما أدى ارتفاع أسعار الشحن البحري بنحو اثنتين إلى ثلاث مرات خلال الأشهر الـ12 الماضية وارتفاع أسعار البنزين إلى ارتفاع تكلفة خدمات النقل البري؛ وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية.

قفزة في أسعار الغذاء

وترجع زيادة الأسعار أيضاً للطلب الكبير على المواد الغذائية الأساسية للاستهلاك البشري وعلف الحيوانات الذي ظل مرتفعاً، لا سيما من الصين، إذ قامت الدول بتخزين احتياطات غذائية بسبب المخاوف المتعلقة بوباء كورونا بشأن الأمن الغذائي.

كما تسببت أزمة المناخ في وجود طقس جاف في البلدان الرئيسية المصدرة للأغذية، بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، وهو ما أثر على إنتاجية المحاصيل وتراجع الإنتاج بنسب كبيرة. وساهم الطلب القوي على الوقود الحيوي مع قيود التصدير لارتفاع الأسعار.

ومثل باقي دول العالم، تواجه دول أمريكا الشمالية الولايات المتحدة وكندا ارتفاعاً غير عادى في معدلات التضخم، في ظل زيادة الطلب من المستهلكين وقلة المعروض.

فسعر كل شيء في كندا تقريباً كان أكثر ارتفاعاً في شهر سبتمبر، مما دفع التضخم الأساسي إلى أعلى معدل له منذ 20 عاماً، وهو ما عقّد خطط بنك كندا لإبقاء معدلات الفائدة قرب الصفر حتى حلول عام 2022.

وفي الولايات المتحدة، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها إن معدلات التضخم آخذة في الارتفاع في مختلف مجالات الاقتصاد، وأشارت إلى أنها سيكون لها تأثير أوسع على تكلفة المعيشة والأجور وبرامج المزايا الاجتماعية.

وذكرت وزارة التجارة الأمريكية أن التضخم ارتفع بنسبة 4.4% في شهر سبتمبر الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهي أعلى قفزة منذ يناير 1991.

وقالت رضوى السويفي المحللة المالية إن الموجة التضخمية التي شهدها العالم حالياً هي أزمة عالمية بامتياز أثرت تداعيتها على جميع مدخلات الإنتاج في جميع الصناعات سواء الغذاء أو البناء أو حتى السيارات حيث شملت كل مدخلات الإنتاج المستوردة أو تلك التي يتم تجميعها محلياً.

ويواجه العالم وضعاً غير مسبوق يؤثر سلباً على أسعار الطاقة والمواد الغذائية، وأن السعر الحالي للبترول هو الأعلى منذ عام 2018 وبالنسبة للغاز هو الأعلى منذ عام 2014.

ويؤثر الارتفاع في أسعار مواد الطاقة سلباً على أسعار كل الصناعات المرتبطة بها ، فالعالم يشهد حالياً أعلى معدل في ارتفاع السلع الغذائية منذ 10 سنوات.

777777777777

أزمة ممتدة

ووفقاً لهذه المعطيات يتوقع محللون استمرار الزيادة في أسعار المواد الغذائية خلال الفترة المتبقية من عام 2021 وتستمر في عام 2022.

ومن المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية الدولية بنحو 45%، منها 25% خلال العام الحالي و20% خلال العام المقبل، ويعني ذلك زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية بنحو 3.2 نقطة مئوية.

تأثر الأسواق الناشئة

وتختلف الزيادة في الأسعار من بلد إلى آخر، إذ يمكن أن يشهد المستهلكون في الأسواق الناشئة زيادات أعلى بسبب زيادة الاعتماد على الواردات الغذائية. كما أن التحول من أسعار المنتجين إلى أسعار المستهلك يميل إلى أن يكون أكبر بالنسبة إلى الأسواق الناشئة.

وبالنسبة إلى البلدان منخفضة الدخل التي تعاني حتى الآن من تأثيرات وتداعيات جائحة كورونا، قد تكون آثار زيادة تضخم أسعار الغذاء وخيمة وتهدد بتراجع الجهود المبذولة للقضاء على الجوع.

وبالنسبة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، هناك عامل خطر إضافي يتمثل في انخفاض قيمة العملة مقابل الدولار الأمريكي الذي يتم من خلاله تداول معظم السلع الغذائية، وشهدت البلدان ذات العملات الأضعف ارتفاعاً في فاتورة الواردات الغذائية.

ويتوقع الخبراء أن يدفع استمرار التضخم البنوك الوطنية لرفع أسعار الفائدة وهذا يجعل تكلفة التمويل أكبر؛ الأمر الذي يؤثر على الاستثمار، ويؤثر على تكلفة التمويل سواء بالمشروعات أو تكلفة الاستيراد وبالتالي سيؤدي لارتفاع الأسعار والتضخم في نهاية المطاف.

وينصح الخبراء الحكومات بضرورة وضع خطط اقتصادية مع ترشيد الإنفاق وعدم الانسياق وراء دوامات القروض التي تزيد الأعباء على موازنة الدول.

وطالبوا بضرورة الاهتمام بدرجة أكثر بالزراعة وسلاسل التوريد مع حث المواطنين في نفس الوقت على ترشيد استهلاكهم نسبياً.

222225555

مصر والموجة التضخمية

ويتوقع صندوق النقد الدولي معدلات تضخم في مصر والجزائر وتونس والسودان بنسب تتراوح بين 6 وأكثر من 10% هذا العام.

ومن الطبيعي أن تتأثر مصر بالتضخم العالمي؛ لأنها ضمن الاقتصاد العالمي، حيث إن تكلفة السلع المستودة مع تكاليف الشحن ستؤثر على جميع دول العالم وليست مصر فقط.

وتعمل الدولة لحماية البلاد من موجة الغلاء المتوقعة في 2022، حيث وضعت وزارة الزراعة استراتيجية تعتمد على زيادة رقعة الأراضي الصالحة للزراعة، من خلال حصر وتصنيف التربة لتحديد المناطق التي يمكن زراعتها.

كما تبنَّت وزارة التضامن سياسات جديدة للحماية الاجتماعية تواكب المرحلة التنموية التي تعيشها الدولة الآن، كما قامت بوضع استراتيجية شاملة لمد مظلة الدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية.

وبناء على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، قامت وزارة التموين بزيادة المخزون الاستراتيجي من القمح والسلع الأساسية؛ وهو ما جعل الدولة تقف صامدة بأقل الأضرار أمام موجة التضخم العالمية حتى الآن.

وللمرور من هذه الأزمة الاقتصادية الكبرى ينصح خبراء الاقتصاد المواطنين بتجنب تخزين السلع الأساسية، حيث إن زيادة الطلب سيترتب عليها ارتفاع السعر.

وأكدوا ضرورة قيام الدولة باتباع إجراءات احترازية لتسيطر على الأزمة وتقلل من آثارها السلبية، مثل تفعيل الأمن الغذائي ودعم الفلاح المصري، وزيادة الإنتاج الزراعي بقدر المستطاع وتوفير مدخلات الزراعة من مبيدات وأسمدة وتقاوٍ.

ويؤكد عدد من الخبراء أن تأثير هذه الموجة لن يكون كبيراً على مصر، حيث سيتراوح متوسط معدلات التضخم بين 6 و8%، وهو ما يتفق مع مستهدفات البنك المركزي المصري للتضخم عند 7% بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الأخير من عام 2022.

وعلى وقع هذه الأزمة الآخذة في التصاعد لا توجد دلائل حتى الآن على أن التضخم سيختفي قريباً وسط أزمات في سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع أسعار السلع الأولية.

كما أن زيادة الطلب بعد انتهاء اجراءات الإغلاق واستمرار عمليات التحفيز النقدي مع تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد، كل هذه الأمور تؤدي إلى مزيد من اشتعال الأسعار في الأسواق العالمية خلال الفترة المقبلة.

 

77777777777777777

 







أضف تعليقك