قمة جلاسجو.. الفرصة الأخيرة لمواجهة تغيرات المناخ

قمة جلاسجو للمناخ
قمة جلاسجو للمناخ



آمال كبيرة تتشبث بها دول العالم خاصة المتضررين من التغيرات المناخية على قمة جلاسجو باسكتلندا التي تستمر فعالياتها حتى 12 من نوفمبر الجاري لإيجاد حلول لهذه القضية التي باتت تهدد الكوكب بأسره وتنذر بوقوع المزيد من الكوارث في دول العالم أجمع.

وتعد الدول الإفريقية والنامية من أكبر المتضررين من التغيرات المناخية رغم كونهما غير مسئولين عن زيادة نسبة الانبعاثات الكربونية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يصاحب ذلك من حدوث خلل في موجات الحر وحركة الرياح ونسبة وكثافة سقوط الأمطار التي تتحول إلى سيول جارفة ببعض المناطق ومعاناة مناطق أخرى من جفاف شديد.

كما أدت التغيرات المناخية العنيفة إلى اندلاع آلاف الحرائق على مستوى الغابات بالعالم بما فيها غابات الأمازون التي تعد رئة الأرض وأيضا وصول الحرائق إلى غابات سيبيريا التي كانت تعد الأكثر برودة في مؤشر على مدى الخطورة التي تسببها هذه الظاهرة.

رؤية مصر

مخاوف وهواجس الدول الإفريقية والنامية أكدت عليها مصر وركز عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أمام قمة جلاسجو COP26 على ضرورة  وفاء الدول المتقدمة بتعهدها لمواجهة تغير المناخ، مؤكدا ثقته في القمة على الخروج بنتائج إيجابية.

وقال الرئيس السيسي إن مصر تدعو العالم لمعاملة أفريقيا تعامل خاص وفقا لحجم التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية لمواجهة أثار التغيرات المناخية.

وأشار الرئيس السيسي إلى أن قضية المناخ باتت تؤثر علينا جميعا وأن تحقيق 1.5 درجة مئوية صار هدفا وأمرا حتميا لا يتحمل التأخير لضمان تعزيز جهود خفض الانبعاثات والتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.

الرئيس السيسي أكد أمام القمة أن تنفيذ الدول النامية لالتزاماتها في تغيير المناخ مرهون بحجم الدعم الذى تحصل عليه لمساعدتها في مواجهة تغير المناخ.

وحول الجهود المبذولة للحد من تأثير التغيرات المناخية ،، أكد الرئيس السيسي في كلمته أمام القمة أن مصر بادرت بتطبيق نموذج تنموي مستدام يأتي تغير المناخ والتكيف منه في القلب منه، ويهدف إلى الوصول بالمشروعات الخضراء إلى 50% بحلول 2025 و100% بحلول 2030، وعلى سبيل المثال تمثل مصادر الطاقة المتجددة 20 % من مزيج الطاقة المصرية ونعمل على وصولها 42% بحلول عام 2035.

وأضاف الرئيس السيسي أن الدولة المصرية أصدرت مؤخرا الطرح الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار وانتهت من إعداد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.

8888888888

خفض الانبعاثات

وتابع: "هذه الاستراتيجية ستفتح الطريق أمام تحديث مصر لمساهمتها المحددة الوطنية، بحيث تكون السياسات والأهداف، والإجراءات المتضمنة بهذه الاستراتيجية مكملة لجهود الدولة التنموية والتعافي من أثار جائحة كورونا وليست عبئا عليها".

وتطرق الرئيس السيسي في كلمته أيضا إلى إن مصر تعمل على التحول إلى النقل النظيف، من خلال التوسع في شبكات المترو والقطارات والسيارات الكهربائية وتجهيز البنية التحتية اللازمة، فضلًا عن إنشاء المدن الذكية والمستدامة، كما تنفذ مشروعات لترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع، والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.

وخلال كلمته أعرب الرئيس السيسي عن تطلعه لاستضافة الدورة القادمة لقمة المناخ في مصر العام المقبل باعتبارها ممثلة للقارة الإفريقية، وذلك من أجل استمرار الجهود الرامية  لتعزيز عمل المناخ الدولي للوصول لنتائج مؤتمر باريس.

وعن أهمية مشاركة مصر وتمثيلها لإفريقيا، قال محمد هلال الخبير في مجال الطاقة، :إن هذه المشاركة ستتيح لمصر العديد من الموارد المهمة لمواجهة المناخ على المستويين الوطني والإفريقي، وأهم هذه الموارد هي مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر المطابق لأهداف حماية البيئة.

وتابع هلال قائلا: إن دعم مصر في إنتاج الهيدروجين "الخالي من الكربون"، والتوسع فيه وصولًا لتصديره، سيمنحها القدرة على دعم الدول العربية والإفريقية والنامية، ثم التوجه إلى السوق الأوروبية المتعطشة للطاقة النظيفة.

ولفت الخبير العالمي إلى أن مصر خطت خطوات متقدمة في مجال تصدير الطاقة النظيفة لأفريقيا وأوروبا من خلال الربط الكهربائي وتصدير الغاز لعدة دول أبرزها قبرص واليونان ودول أفريقية.

مواقف عالمية

من جانبه قال جو بايدن الرئيس الأمريكي إن الوقت حان للتصرف، مضيفا أن العالم يواجه تهديدا وجوديا بسبب التغير المناخي.

وذكر بايدن في كلمته بقمة المناخ أن الولايات المتحدة تعاني من ظواهر المناخ المتطرفة مشيرا إلى ضرورة أن تكون قمة جلاسجو انطلاقة جديدة للعمل ضد التغير المناخي. وأوضح الرئيس الأمريكي أن بلاده ستقلص الغازات الدفيئة بنحو كبيرا اعتبارا من الآن وحتى عام 2030، كما ستعمل على توليد الطاقة من الرياح. وتابع: "يجب تسخير التكنولوجيا لزيادة كفاءة الطاقة البديلة، مبيّنا أن التحرك لمعالجة أزمة المناخ سيخلق وظائف جديدة".

وشدد بايدن على أن واشنطن "ستكون رائدة في مواجهة تغير المناخ"، مبرزا أن إدارته ستعمل على "مساعدة الدول النامية في مواجهة هذه الظاهرة".

أما إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا فقد قال في كلمته أمام القمة إن بلاده نجحت في إبقاء المجتمع الدولي موحدًا في مواجهة تغير المناخ وذلك من خلال قمة «باريس للمناخ»، موضحًا أنه  يجب مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التغيّرات المناخية.

كما شدد على ضرورة  الإيفاء بالتعهدات التي أطلقت في قمة باريس للمناخ عام 2015 وتنفيذ الالتزامات الدولية لتحقيق استراتيجية مواجهة تغير المناخ وتشجيع الدول على التخلي عن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

ولخطورة القضية ،، قال بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الذي يستضيف قمة "كوب 26": إن ساعة نهاية العالم تدق ، مضيفا " المحركات والمضخات التي نضخ من خلالها الكربون في الهواء تتسب في أضرار كبيرة للكوكب وزيادة درجات الحرارة في الأرض بسرعة كبيرة".

وتابع : "استمعنا إلى العلماء وعلينا ألا نتجاهلهم ، فمع ارتفاع درجة الحرارة أكثر من درجتين مئويتين نخاطر بالإنتاج الغذائي ، وإذا ارتفعت درجة الحرارة بأكثر من 3 درجات مئوية فقد تتزيد أعداد الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحر".

وأشار جونسون إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من 4 درجات مئوية سيؤدي إلى تآكل العديد من المدن الساحلية مثل الإسكندرية وشنغهاي وميامي ، مشددا: "لقد اقتربنا من نهاية العالم كما نعرفه وعلينا التصرف بسرعة"، مشيرا إلى أن الدول الصناعية كانت غير مدركة للمشكلة وعلينا واجب التغيير.

بدوره، قال  أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في قمة "كوب 26": إن السنوات الست التي أعقبت اتفاقية باريس للمناخ هي التي شهدت أعلى درجات الحرارة في التاريخ ، مضيفا أن الاعتماد على الوقود الأحفوري يدفع البشرية للهاوية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة :إنه في أفضل السيناريوهات فإن درجة الحرارة سترتفع بأكثر من درجتين مئويتين ونحن نواجه كارثة مناخية لا مهرب منها.

ودعا  جوتيريش إلى الاستثمار في الاقتصاد الذي يؤدي إلى صفر الانبعاثات، مشيرا إلى أن مقترحات الدول بشأن الحياد الكربوني مهمة للغاية لتجنب الفشل في مواجهة التغير المناخي الذي سيشكل في حال تحققه حكما بالموت على سكان الأرض.

وعلى هامش قمة جلاسجو أطلق قادة عالميون تحذيرات كبيرة تجاه التداعيات العنيفة للتغيرات المناخية، مؤكدين أن القمة تشكل الفرصة الأخيرة لإنقاذ العالم من هذه الظاهرة المدمرة التي ستغرق مدنا بأكملها. وشدد القادة على ضرورة التوصل لاتفاق عالمي بشأن خفض الانبعاثات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى التغير المناخي، هذه الظاهرة التي جعلت الكوارث الطبيعية أكثر خطورة في السنوات الأخيرة.

66666666666

إفريقيا وأزمة المناخ

وتؤكد الدراسات أن إفريقيا أول ضحايا تداعيات التغير المناخي، رغم أنها القارة الأقل انبعاثا لغاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة الصناعية والمتقدمة.

وتتمثل تداعيات تغير المناخ في إفريقيا في تعرضها لمخاطر التأثير على الموارد المائية، وتفاقم ظاهرة النزوح الداخلي وتزايد الاحتقان بين الرعاة والمزارعين على غابات السافانا التي تعد المصدر الأساسي للمراعي وتربية الماشية ويؤدي تأثر نمو هذه المراعي بشكل طبيعي في نشوب صراعات مسلحة بين مربي قطعان الماشية خاصة في السودان ونيجيريا ومالي.

وتشير الدراسات إلى أن دولا مثل غينيا وجامببيا ونيجيريا وتوجو وبنين والكونغو، وكذلك تونس وتنزانيا، وجزر القمر معرضة لأخطار كبيرة مع حلول 2050، بسبب تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر.

وحذرت التقارير من أن التغير المناخي يُهدد التراث الثقافي الإنساني في دول إفريقية مثل السودان التي صارعت في 2020 لإنقاذ آثارها في منطقة البجراوية أثناء فيضان نهر النيل.

وأوصت الدراسات بضرورة رصد التمويلات اللازمة للحد من آثار المناخ الضارة في القارة السمراء ومنحها النصيب العادل من هذه التمويلات المقدّرة بنحو 100 مليار دولار، وهو ماتناقشه قمة جلاسجو.

دول ملوثة للبيئة

وقال الدكتور سمير طنطاوي، مدير مشروع التغيرات المناخية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واستشاري التغيرات المناخية :إن الدول الصناعية هي المتسبب التاريخي في مشكلة تغير المناخ منذ أوائل القرن التاسع عشر في الثورة الصناعية نتيجة حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري.

وتابع أن المشكلة لا تكمن في الدول الصناعية فقط، لكنّ هناك دولا نامية مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية زادت انبعاثاتها الكربونية مؤخرا في السنوات الأخيرة.

وتعد الصين أكبر دولة في العالم ملوثة للبيئة وهي الغول البيئي الذي يلتهم المناخ، فهي أكبر دولة تساهم في تلوث المناخ والبيئة بما يصل لـ 25% من الانبعاثات الكربونية في العالم.

واتفاق باريس للمناخ يمثل نقلة نوعية في تاريخ مفاوضات التغيرات المناخية، حيث لم يعد الالتزام قاصرا على الدول الصناعية، لكنه امتد إلى الدول النامية، مع اختلاف الالتزامات.

222222222222

تداعيات مدمرة

ولخطورة الآثار التي تسببها التغيرات المناخية استعرضت دراسة أصدرها معهد "تشاتام هاوس" وهو معهد سياسي رائد عالميًا مقره في لندن، تأثيرات المناخ خلال العقد المقبل خاصة الآثار القريبة المدى التي تثير القلق الأكبر.

واعتمدت الدراسة على آراء أكثر من 200 من علماء المناخ وغيرهم من المتخصصين، بهدف تقييم المخاطر والآثار المناخية المباشرة التي يجب أن يلتفت إليها صانعو القرار خلال العقد المقبل.

ووفقا للعلماء، فإنه على المدى القريب وبحلول عام 2030 قد يكون العالم محاصرًا في تأثيرات شديدة للغاية للتغير المناخي تتجاوز حدود ما يمكن للدول أن تتكيف معه.

وحذرت الدراسة من أن المخاطر المناخية مثل الحرارة الشديدة والجفاف والعواصف يمكن أن تؤدي إلى "تأثيرات متتالية" يستطيع الجميع الشعور بها في جميع أنحاء العالم خلال العقد المقبل.

وبحسب علماء المناخ ، فإن الأحداث المناخية المتطرفة المتكررة بشكل متزايد يمكن أن تؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن الغذائي ونزوح الناس والصراع داخل البلدان المعرضة للخطر بحلول عام 2030، مع آثار غير مباشرة على مناطق بأكملها والاقتصاد العالمي.

تأتي قمة جلاسجو في وقت تعكس ظروف الطقس الصعبة في مختلف أنحاء العالم التداعيات المدمّرة لتغيّر المناخ الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري على مدى أكثر من 150 عاما.

وقال نور الدين أحمد أستاذ العلوم بجامعة عين شمس إنَّ هناك حاجة ملحة لتحقيق أهداف التخفيف التي حددتها اتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ والإبقاء على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.

وأشار إلى أن تأثير تغير المناخ على البحار والمحيطات سيؤدي لارتفاع درجة حرارة الأرض بما يؤدي لمزيد من الذوبان  للجليد في القطب الشمالي والجنوبي  الامر الذي يؤدي في نهاية المطاف لارتفاع مستوى البحار وإغراق أي أرضٍ منخفضة عن مستوى البحار.

ولتجنب هذه الكوارث المحتملة أكد الخبراء على ضرورة التوسُّع في استخدام الطاقة النظيفة والتوسُّع في الزراعة، خاصة زراعة الأشجار والغابات لتقليل تأثير تغيُّر المناخ على البحار والمحيطات، مشيرين إلى أن زراعة أشجار الغابات تمتص الحرارة وتساعد في انخفاضها بشكل عام.

555555555555

قمة المناخ

وتعتبر قمة جلاسجو ثاني أكبر حدث دولي خاص بالمناخ بعد قمة باريس 2015، وينظر لها على أنها الفرصة الأخيرة لإبرام معاهدات دولية لخفض الانبعاثات الحرارية.

وتهدف قمة المناخ إلى الإبقاء على درجة الحرارة عالميا في نطاق يمكن التحكم فيه، خاصة وأنها ستدرس مدى التقدم الذي أحرزته اتفاقية باريس 2015 التي نصت على خفض الانبعاثات وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة.

وقمة المناخ هي قمة سنوية تحضرها 197 دولة من أجل مناقشة التغيرات المناخية، وما الذي تفعله هذه البلدان، والعالم أجمع، من أجل مواجهة هذه المشكلة ومعالجتها.

وتهدف الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل التصنيع، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه سيجنب الأرض من أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميرا.

وتعتبر هذه القمة جزءاً من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهي معاهدة دولية تم توقيعها من قبل جميع الدول والمناطق في العالم بهدف الحد من تأثير النشاط البشري على المناخ.

وتعد قمة المناخ من أهم المؤتمرات التي تنظر لكوكب الأرض بسبب كارثة التغير المناخي، وتهدف للبحث  في كيفية وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها الخاصة بتمويل الدول النامية المتأثرة من هذه الظاهرة.

لاشك أن الكرة الأرضية التي تجمع البشر جميعا في مأزق وجودي بسبب تغير المناخ، والذي يهدد بقاء الكوكب وفناء كل من عليه، فالانبعاثات الكربونية الحادة تسببت في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وزيادة التلوث وتأكل طبقات الأوزون.

وتمثل أزمة المناخ قطع شرايين وتدمير لرئة العالم ولم يعد الحديث عن التغير المناخي مجرد رفاهية أو دعوة أخلاقية وإنما يمثل حياة أو موتا . 

وتحقيق الأمن المناخي لا يمكن لأي دولة بمفردها أن تنجح في التعامل معه، وهو الأمر الذي يستوجب تكاتف وتعاون جميع دول العالم فيه من أجل الحد من تداعيات التغيرات المناخية التي تتسبب في وقوع كوراث طبيعية تهدد سكان الكرة الأرضية.

333333333333







أضف تعليقك