أصحاب ولا أعز.. عندما يتحدث حزب النور عن الدستور!


شاهدت فيلم "أصحاب ولا أعز" واستمتعت به كثيراً، رغم انزعاجي في البداية من كونه نسخة مكررة، مشهد بمشهد تقريباً من فيلم فرنسي بعنوان "لو جو" (أو اللعبة)، كنت قد شاهدته قبل عامين على منصة نتفليكس أيضاً، لكن مجرد أن تندمج في أحداث الفيلم تجد نفسك مبهوراً بالأداء التمثيلي لكل أبطال العمل، خصوصاً الممثلة المصرية منى زكي والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، ناهيك عن روعة القصة رغم بساطتها، خصوصاً بعد تعريبها.

بشكل أو بأخر توقعت أن يثير الفيلم ضجة بين غوغاء السوشيال ميديا، الذين اعتدنا على تربصهم بالفنانين، خصوصاً النساء، واستمتاعهم بفرض وصاية أبوية ودينية عليهم بلا أي وجه حق. لقد أرتكب غوغاء السوشيال ميديا، في الأشهر الست الأخيرة فقط، ثلاثة جرائم على الأقل من هذه النوعية، لم يعاقبوا عليها ولم يردعهم عنها أحد، بل على العكس وجدت هوى عند بعض السياسيين والمتطرفين دينياً.

لم يقف أمامهم أحد عندما أقاموا الحد على رانيا يوسف لأنها ظهرت بفستان مكشوف ورموها بالغيب واستباحوا جسدها في تحرش علني وجماعي على منصات السوشيال ميديا. وكذلك لم يردعهم أحد عندما قضوا أياماً كالكلاب المسعورة ينهشون في شرف هيدي كرم لأنها سجلت فيديو تمارس فيه الرياضة مع أبنها الشاب لأن الفيديو أثار غرائزهم المكبوتة، والأبشع من هذا وذاك، كانت الحملة التي أطلقوها في شهر نوفمبر ضد الفنانة إلهام شاهين والمبدعة القديرة سيدة المسرح سميحة أيوب لتعاونهما في عمل مسرحي للفيلسوف الشهير "جان بول سارتر" فقط لأن عنوان المسرحية هو "المومس الفاضلة" ومع الأسف نجحت حملتهم في إجهاض عملية نقل عمل فني عظيم كهذا إلى المسرح المصري والعربي.

ولأن غوغاء السوشيال ميديا لم يحاسبوا على كل ما سبق، جددوا الهجمة هذه المرة على فيلم "أصحاب ولا أعز" رغم حقيقة أن أغلبهم لم يشاهدوه أصلاً لأنه يعرض على منصة إليكترونية تتطلب دفع اشتراك مالي لاستخدامها. وركزوا كل سهامهم على الفنانة منى زكي، المصرية الوحيدة في الفيلم، بدلاً من أن يحتفوا بها وبإبداعها في أداء الدور بسلاسة وبساطة مذهلة، ووصلت وقاحتهم، بعد وقوف منى زكي صامتة وصامدة أمام الحجارة التي يرجمونها بها ظلماً، أن يطلقوا حملة هاشتاجات ضد الفنان أحمد حلمي، لأنه زوجها المسؤول عن تقييمها وتقوميها.

إلا أن الأبشع من وقاحة غوغاء السوشيال ميديا وتنمرهم وتحرشهم المستمر بالفنانين، أو بالأحرى الفنانات المصريات، بلا أي رادع أو ضابط، هو تدخل بعض القوى السياسية، عبر ممثليهم في مجلس النواب، لفرض وصاية دينية أو أبوية على الممثلين منى زكي وإياد نصار، ومطالبة نقابة الممثلين المصرية،المسجلين بها، بمعاقبتهم ومنعهم من التمثيل، بل أيضاً تحريك دعاوى قانونية ضدهم داخل البرلمان وخارجه، تحت اتهام نشر الفسوق في المجتمع. ولا تفهم بالضبط ماذا سيقولون في الدعوى القضائية أو البرلمانية؟

هل انتهت كل مشاكل مصر التشريعية والسياسية حتى يتفرغ السادة النواب لمهاجمة فيلم على منصة إليكترونية مدفوعة وتعليق المشانق للفنانين المصريين المشاركين في الفيلم؟ أليس لدى السادة النواب أمور أكثر أهمية وتأثيراً في حياة المواطنين ليشغلوا بها أنفسهم ويعكفوا على إنجازها؟ منذ متى والنواب يمارسون أدوار الشيوخ؟ أه.. نسيت! منذ أن أصبح في مصر حزب سياسي ذو هوية دينية متشددة أسمه حزب النور.

لم يكن غريباً، بالنسبة لي على الأقل، أن نواب حزب النور، السلفي الهوية،كانوا هم أول من يتدخل لنصب المشانق وتعليق منى زكي وإياد نصار عليهاللمشاركة في فيلم "أصحاب ولا أعز"، فقد فعل ساسة السلفيين وشيوخهم، نفس الشيء في كل الوقائع التي استهدفت فنانات مصريات في الشهور القليلة الماضية، ولم يجدوا من يوقفهم عند حدهم ويمنعهم من استهداف الفن المصري العريق مع الأسف الشديد، متناسين تماماً أن هناك ثورة قامت في مصر، عام ٢٠١٣، ضد الإسلاميين وما يمثلونه من تهديد للهوية المصرية بسبب ممارسات مشابهة لتلك التي يقوم بها حزب النور الآن.

لكن الغريب والعجيب والمدهش إلى حد الصدمة، هو أن نواب حزب النوريستندون في مواقفهم المعادية للفن، لا سيما في الواقعة الأخيرة بخصوص فيلم "أصحاب ولا أعز"، إلى الادعاء بأن محتوى الفيلم منافي لقواعد الدستور المصري، هكذا قال نائب حزب النور، أحمد حمدي، في مداخلة مع برنامج الحكاية مع عمرو أديب ليلة أمس، مستنداً في ذلك على النصوص الدستورية التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة... ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. مصر دولة إسلامية"، هذا طبعاً رغم حقيقة أن سيادة النائب قضى أكثر من ربع ساعة يهاجم الفيلم ومحتواه رغم أنه لم يشاهد الفيلم أصلاً، وقد ذكر ذلك صراحة في المداخلة.

دعنا من حقيقة أن حزب النور هم من أصروا على إقحام هذه المادة المعيبة أثناء مشاركتهم في لجنة كتابة دستور ٢٠١٤، وأن ليس هناك شيء أسمه "دين الدولة" لأن الدولة كيان اعتباري، وبالتالي لا يمكن أن يكون لكيان اعتباري دين، وأن الدين هو أمر شخصي يعتنقه الأفراد البالغين العاقلين فقط، بكامل إرادتهم وكل حسب اختياره. ناهيك طبعاً عما يحمله هذا النص الدستوري من تمييز تجاه أكثر من ١٥ مليون مواطن مصري يحملون ديانات أخرى غير الإسلام، ومن حقهم أن يتعاملوا في كافة شئونهم كمواطنين مع تشريعات مدنية خالصة. دعنا من كل ذلك، وجاوبني على السؤال الأهم: منذ متى والفنان مطالب بمراجعة دستور الدولة قبل أن يمارس أو يشارك في عمل إبداعي؟

والأهم من كل ذلك، بأي عين يتحدث حزب النور عن الدستور، ويطالب بتفعيله، بينما وجود حزب النور أصلاً هو أمر غير دستوري. قبل بضعة سنوات، بالمشاركة مع بعض الأصدقاء العاملين في المجتمع المدني، أطلقنا حملة لمطالبة لجنة شئون الأحزاب للتحرك قضائياً من أجل حل حزب النور وحظر كافة الأحزاب الدينية الموجودة في مصر والتي تكونت في مرحلة الفوضى التي أعقبت ثورة يناير، استناداً إلى المادة ٧٤ من دستور ٢٠١٤ التي تنص على أنه "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني"، لكن مع الأسف لم يتغير شيء حتى اليوم، ومازال حزب النور يمارس العمل السياسي، ويستغل نوابه في البرلمان ما اكتسبوه من سلطة سياسية رغم كونهم كيانا غير دستوري في فرض وصاية دينية على الأفراد، خصوصاً العاملين في مجال الفن، الذي يعتبره السلفيون فسق وفجور ودرب من دروب الرذيلة.

إن التصدي لمثل هذه الهجمات على الفنانين المصريين والفن المصري هو واجب وطني على كل مصري يعتز بهويته المصرية ويقدر حجم وتاريخ الفن المصري، لا سيما في مجال السينما والمسرح والدراما، والذي يتجاوز تاريخه قرن كامل من الزمن، وكان ومازال قوة مصر الناعمة الأكبر تأثيراً، على الأقل في محيطها الإقليمي.







أضف تعليقك

كاتبة وحقوقية، مديرة مركز الدراسات الديمقراطية الحرة، من أشهر مؤلفاتها كتاب باللغة الإنجليزية عنوانه "القضية الفضولية للذئب ذو الأرجل الثلاثة - مصر: العسكرية، الإسلاموية، والديمقراطية الليبرالية"، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مشهود لها دولياً حول الشرق الأوسط